Pages

Thursday, January 10, 2019

يوميات


١٧ ديسمبر ٢٠١٨
-
قد مر ٣٣ يوم على غياب أبي، وغياب المعنى من الحياة في غياب من نحب، لمثله تستحق أن تتوقف الحياة، كأن بي رغبة ملحة أن أستأذن منه؛ هل يمكنني أن أعاود يومياتي كأن كل شيء على ما يرام؟ رغم أن بي رغبة ملحة أيضًا، أن أُضرب عن كل شيء في انتظاره، وأن أجعل دوران الأرض يتوقف، لأن قلبي غاضب؛ كيف يأخذوه مني؟
هذه الأضداد توقظني كل ليلة حتى يفتك رأسي من كثرة التفكير فأغفو من شدة التعب.

أمسى الليل ككل ليلة منذ غيابه، مظلم، ضيق، حزين.. قلت لم أعد أحبه.
لا أريد الاستيقاظ فلم يعد هناك معنى للحياة بدونه، دورة الأرض حول الشمس وهو غير معروف المكان على سطحه عبثي، كذا الفصول والشهور، والأيام والساعات، ما المعنى من كل هذا؟

خبري وحدثي هو لا شيء، الخبر الوحيد الحقيقي هو أن الأيام تمر دون خبر منه، والأيام لا تنتظر حتى انقضاء الحزن أو الغضب.
أيقظني منبه الهاتف صباحًا فقمت وأغلقته، ثم ماذا؟ أأذهب؟
استغرقت بعض الوقت لأزيح الغطاء الذي يفتقر إليه من يبرد جسده كثيرًا، ترددت، لكن كان هناك ما يدفعني رغم كل شيء، ربما روتين الحياة الذي انغمست فيه منذ أن تقلصت تحركاتي للربع تقريبًا.

في جامعتي ندرس الإنسان، ودراستي هذا العام ثرية جدًا من هذا الجانب؛ نناقش قضايا متعلقة بالعدل والحقوق، ندرس الاستعمار ومحاولاتهم لجعلنا نتعايش مع الظلم فننسى معاقبة الظالم ونبحث عن سبل للصمود وحسب. 
حينها أخرج من المحاضرة وقد ازداد الجرح نزيفًا وتوسع الثقل في قلبي حد أن يعيق حركتي ويؤلم ركبتاي.. أو ربما هذا لأن الدم في عروقي يتجمد كل يوم من هول الصدمة، ولأن جسد أبي -الذي يدفئني شعوريًا ومعنويًا- يحتاج إلى دفء، وهو ما لن نحصل عليه في هذه البلاد مطلقًا. لن نحصل سوى على الألم والقهر.

أحب تأمل توقيتات الأقدار ومزيج الأحداث التي تقع على كل مستويات حياتي في اللحظة ذاتها، تضاد رهيب، وخلطة تصفعني على خدي الأيمن والأيسر لتشكلني بطريقة الحياة المعتادة، مهما حاولت تخيل ما سيؤول إليه حالي بعد عام أو اثنين لن أستطيع الاقتراب من الحقيقة قيد أنملة.

اليوم، كانت قاعة المحاضرة فارغة أكثر من المعتاد، للطلبة أولويات أخرى عند اقتراب نهاية الفصل الدراسي؛ الانعزال لحصاد أكبر قدر من العلامات الممكنة للنجاة بأنفسهم، هل أنا المسكينة؟ لا أعرف كيف أنجو.. لكني أعرف بكل تأكيد أن سبيلهم ليس سبيلي، فأترك قدر الله يسيرني حتى يحدث أمرًا كان مفعولًا.

فلاش باك: في عامي الأول في الجامعة، بي بعض الحلم والكثير الكثير من التيه، وعدني أبي أني ربما أجد البوصلة التي ستروق لي في هذه الكلية، قلت أجرب، ومع تدفق الحقائق المريرة على عقلي خمد حماس حلمي وأصبحت أكثر واقعية وتريث.
ثم قست علي الحياة كثيرًا.
والآن حلمي في خلفية رأسي كموسيقى تصويرية، وربما اليوم كنت على مقربة من التخلي عنه بسبب الإحباط الذي يتمكن مني رويدًا.

لكن انبثق بعض النور اليوم، نعم أنا أكتب من أجل هذا، كنت أنا و ٣ آخرون أمام أستاذة المقرر وحدنا نحاول الوصول لبعض النتائج وبعض الإجابات للأسئلة التى طرحت منذ بداية الفصل، التي هي في الحقيقة تؤرقني منذ بدأت أفكر. وانبثق بعض النور.. حقيقة وليس مجازًا، شعرت بإفاقة عقلية وصوت بالداخل يقول لي: أنتِ تعرفين الطريق، والسبيل، وها هي الأدوات والحلول تتكشف أمامك يومًا بعد يوم، أنا حلمك وما زلت متمسكًا بك.

قلت يا بابا تعالى بسرعة أريد النقاش معاك، هم يريدوننا أن نسقط ونستسلم، هكذا ينتصرون، لكنهم لا يدرون بخبر من ربيت.
بعد عام أو اثنين.. كما قلت لا أدري كيف سأكون، لكني سأحرص أن أغضبهم كما أغضبوني اليوم، والله يغضب من الظلم فالله ناصري ومعيني.
شكرًا يا رب على لطفك.







Rahma Fateen