Pages

Sunday, June 16, 2019

اختفاء بابا


10 يناير 
في عصر التكنولوجيا انت عندك مليون طريقة تطمن بيها على حد بعيد عنك، فيديو يوريك صوت وصورة كأنك معاه، لو مفيش صورة ممكن مكالمة تسمع صوته، مفيش صوت ممكن صورة ثابتة أو رسالة نصية، مفيش تكنولوجيا أصلا ممكن جواب ورقي، حمام زاجل، أي حاجة!
في بلاد الظلم انت بتبقى عايش في نفس العصر بس ممكن تقعد شهور متعرفش ربع معلومة عن حد بتحبه، خلينا نسلّم لاحتمال إنه بإذن الله حي يرزق، بياكل طيب؟ الجو عامل معاه ايه؟
بنتعلم نسأل نفسنا، هل انا مطمن علشان هو في جوار ربنا وده كافي، ولا علشان فيه حاجة قادرة تطمني عليه؟ إيمانك باسم الله "الحفيظ" بيبدأ يتحط تحت الاختبار.
هو وحشني بس.. استودعناه رب العالمين.

-----
4 فبراير
بالأمس سألنا الأستاذ في بداية لقاءنا عن أسماءنا، وحين جاء دوري قلت "رحمة سيف الدين". سكت الأستاذ قليلًا ثم رددها؛ "رحمة سيف الدين"، كأنه لمس جمالًا ما أو شعر بشيء فريد دعاه ليُسمع أذنيه تركيبة الاسم مجددًا، وهو أستاذ اللغة العربية ويعرف جيدًا كيف أن الكلام المنطوق يصل للمستمع بطاقته، وأنا لا أحمل سوى الحب والشوق حين أنطق اسمك، والفخر والشرف حينما أقرنه باسمي، ولذلك تستحق أن تتراقص الأرض ومن عليها، وربما خُيّل له ذلك أيضًا.

--------
30 يناير
"أحبك بكل ما نودي اسمي وتزين باسمك بعده"

علمني ديني أن أهذب ذلك الحب، علمتني الحياة أن الفراق حقيقة لا فرار منها، والحب الصادق الحقيقي هو ذلك الذي يختلط بالروح فلا يتزحزح بغياب الشخص لو كان حيًا، ولا يتأثر بموت الحبيب لأن الحياة لا تتوقف مع الموت، والأرواح تعيش أبد الآبدين.

أبي غيابك لا يؤلمني إلا لكونه قسرًا وظلمًا، وليس من سنن الحياة الطبيعية، ولو أن تفشي الظلم من سنن الحياة.. فإني أشتاق إليك وحسب. 
سأكتب لك بدلًا من مذكراتي، وسأتخيل ردود أفعالك على كل شيء كأنك هنا بالظبط، بجانبي، وسأسقي الحب بأمل اللقاء، وفي المرة القادمة التي تذهب فيها، خذني معك :)


----

6 مارس
،عزيزي بابا
بكتب لك وأنا معدية على مبنى أمن الدولة اللي بيقولوا إن أنت فيه، وكأن معرفتنا بوجودك في مكان زي ده شيء يدعو للطمأنينة في وسط وحوش، احنا مطمنين من أول يوم علشان استودعناك ربنا وهو حافظك، بس على الأقل بعدي كل يوم أبعت لك سلاماتي ودعواتي وقبلاتي، وحبي وشوقي وحاجات تانية كتير..

الظلم بيعمل حاجات كتير سيئة في الإنسان، بيخليه طول اليوم بيفرك في نفسه، دايمًا عنده صراع داخلي ما بين ألمه وغضبه وكرهه للأذى والمؤذيين، وما بين سلامة صدره وإنه ينام كل يوم مفيش في قلبه ذرة غل أو كراهية. بينام يقرر إنه هيتقرب إلى الله بتنقية قلبه، وبيصحى وسط الليل من كوابيس تجسد أشكال مختلفة لأذى الناس، وكأن أذى النهار والصحو لا يكفي، وكأن ربنا بيختبرنا في ما نطلب حيازته.
الفكرة في الأذى النفسي إنه أثره بيكون عميق جدًا وبيحتاج وقت طويل علشان يروح، ممكن حد يطلع برة حياتك وربنا ينجيك من استمرار أذاه، لكن شبحه بيفضل يطاردك وأغوار نفسك بتصرخ وتستنجد، وانت مش عايز غير إن الصوت ده يسكت للأبد ويريحك، بس هيهات، لازم تتألم كل يوم، لازم قلبك يعتصر كل يوم، لازم نوبات الهلع تفسد وقارك واضطرابات القلق توترك من لا شيء طول الوقت.

يا بابا، أنا حقيقي بحاول أتعلم من ماما إني مشتكيش، أمنا ست عظيمة والله، هكتب لك عنها مرة، وأنا بحاول أكون زيها في حاجات كتير. أحيانًا اللي بيخليني ألجأ للشكوى هو إنكار الناس المؤذية لأذاهم لأنك قدامهم متماسك وزي الفل، بعدين أرجع أقول هينفعني إيه إنهم يشوفوا؟ لنظرة رحمة من الله على حالي أحب إلي من شكوى إلى الخلائق يشفقون بها علي أو يتفهمون ما في قلبي! قالها سيد الناس وقدوتي، احتسبت ألمي عند الله وفوضت أمري إليه.

أنا عمري ما اتمنيت لحد الأذى في حياتي، ومش بستوعب وجود بشر قادرين على تمني الأذى للناس أصلًا، أسماء بتقولي إني علشان كده بتألم الضعف، وأنا حقيقي مش عارفة هل دي ضريبة إن حد يبقى كويس في العالم ده؟
من كم يوم كنت بقرأ حاجة كتبتها يوم ميلادي الـ١٨ عن عبدالرحمن الجندي، وازاي إني -على عتبة مرحلة جديدة في حياتي وقتها- بشوف الناس المجتهدة المخلصة بتتحبس وبتتظلم وكل خير جواها بيتشفط، طب أنا مفروض أعمل ايه؟ أتقي ربنا وآخذ على دماغي ولا أبقى قليلة الأدب وسليطة اللسان علشان مسمحش لحد يتعدى عليا؟
نفس الكلام عليك يا بابا، ده جزاءك؟ ١١٢ يوم محروم من أهلك ومحرومين منك علشان إيه؟ مش عارفة أطلع لك حاجة سيئة فعلا تستدعي إنهم يعاملوك بالشكل ده، وتقريبًا هو مش بيكون فيه حاجة، وده أصل الظلم، افتراء وقلة رباية وخلاص.

بابا أنا مش بدعي ربنا يرجعك لينا قريب، أنا بدعي ربنا يرجعك لينا، سالم معافى وكويس، التوقيتات بتاعة ربنا ومش هقدر أعرف أنا الخير في إنك ترجع امتى، بس انت وحشتني جدًا، وعلى رأي أسماء نصر "ظهرنا بقى عريان اوي"، وبقينا رجالة واحنا عايزين نتدلع بس والله ونبقى كويسين.
لله الأمر من قبل ومن بعد.

بنتك،
رحمة

----

30 يناير
يتردد في ذهني كثيرًا مشهد يوم يسافر أحدنا أو يغيب أحد أفراد الأسرة لوقت طويل فتقول ضاحكًا "يا ترى هو عامل ايه؟ مبسوط ولا زعلان؟ جعان ولا شبعان؟ بردان ولا حران؟" وتتصنع التأثر وسط تقليدك لعوكل لتخفي تأثرك الحقيقي الذي يتفجر من سكونك وصحوك ونومك.
أتخيل المشهد وأنا أتساءل عن حالك، أكيد أنك مش مبسوط، لكن هذا يا أبي ثمن يدفعه المؤمن، أليس كذلك علمتنا؟ 
يسعدني حضورك في خيالي -وأنت لا تغيب- فأبتسم، وأقول هو في جوار الله والله حفيظه على أي حال كان.

-----

20 مارس
صباحيات

كل جمال في الدنيا، كل وردة بيضاء، كل فتاة حسناء، ضحك أطفال، منظر غروب أو شروق؛ الله مصدره، والله أجمل منه.
ترى جميلًا فتقول "سبحان الله" لأن الجمال يذكرك به، وهو أكمل صورة للجمال في عقلك، فتعظمه وتنزهه من كل نقص وعيب.

أول ما وعيت على الدنيا وتعلمت عن الفكر وأسرت به كان من خلال أبي، مصدر إلهامي الأول. لا أذكر أني سألته سؤالًا من قبل عن أمر يشغلني إلا وأجابني بما يشغل تفكيري أكثر. يلقبه البعض "العبقري" لبراعته في مسائل الفيزياء والرياضيات المعقدة التي لا يفهمها الكثيرون، وراق لي هذا اللقب كثيرًا، دائمًا ما كان عنده إجابة لكل شيء.
كبرت وصرت أجول في طرقات العلم وأتعلم على يد علماء نابغين، وكلما تحدث أحدهم عن مسألة تشغلني فأنار لي عقلي وشغل تفكيري أكثر، تذكرته. هو يمثل لي الفكر والعقل والحكمة والرأي السديد والخلق الراقي، متى تجمعت هذه الخصال في امرئ آخر رأيته فيه، وصار قدوتي، فازداد مقام أبي وصار هو القدوة لي متكررًا ومتمثلًا في شخوص عديدة.
يقولون؛ أبوك من علمك، وأنا لي آباء كثر، وليس لي أب سواه.

لي رب عظيم يشملني في لطفه ورحمته ويعفو ويغفر التقصير والزلل. 
ولي أب عظيم يزيدني بوجوده وبكوني من نسله.
ماذا قد أريد من الدنيا بعد ذاك؟
أن يجمعني الله به، وبه.


----

5 إبريل
الإيمان يبعث في النفس الأمل، لكنه ليس كالأمل.

الأمل يشعل دواخلك في انتظار موعد محدد، لقاء قريب، فرج بشكل رسمته في خيالك، أو هلاك عدو أو عودة حبيب. 
من مشاهدة بسيطة لسنن الدنيا تعرف أن الأمنيات في العادة لا تتحقق، لا يراد لها أن تتحقق، كل شيء في الدنيا يحارب لكي لا يتحقق حلمك الصغير التافه البسيط في أي ترى أبوك مثلًا أو أن تتزوج ممن تحب.. وكلما تمسكت بالأمل أكثر؛ كلما زاد الاشتعال، وتظن أنه ضوء في آخر النفق؛ لكنك في الحقيقة تحترق، ولو كنت سعيد الحظ لوصلت لمرادك في رماد، وإلا تموت كمدًا وتلعن العالمين..

أما الإيمان، فأصله إيمان، فرع صغير مشتق منه يكون الأمل. وليس رجاء حدوث ما تتمنى، ولكن رجاء جود المولى عليك، فترضى بأي حال يكتبه لك ويضعك فيه، سواء تحققت أمانيك أم لم تتحقق. 
في الإيمان تتعلق بحي لا يموت، بجواد لا تنفذ خزائنه، برحيم يفوق رحمته رحمة الأم بولدها، وليس بحلم يخيل لك في فهمك الضئيل أنه سيكون سببًا لسعادتك ورضاك، ولا بسلطان يهيأ لك أنه بيده الأسباب والإمكانيات لتلبية كل أمانيك، ولا بأي شيء من عالم الشهادة ضعيف الحيلة ممسك بالرزق بخيل الطبع يخشى زوال ما يملك!
الإيمان يملأ قلبك أملًا نعم، لكن لأن قلبك ممتلئ بالإيمان، فيأتي هذا تبعًا لذاك.
الأمل وحده خطر، يقتل الإنسان وهو حي.. أما الإيمان؛ فهو ينبت الزرع في الأراضي البور، ويهز الجبال ويشق الصخور.
وكل متعلق بغير الله مخذول

-----

22 إبريل
أتعجب كثيرًا حينما أتأمل أقدار الله. 
تعلمت في المائة وستين يومًا اللائي غُيّب فيهم أبي أكثر مما تعلمت في سنيني الجامعية الثلاث. ولم أجد للأفكار التي ملأت رأسي وطردت النوم من عيني لليالٍ طوال ملجأ ولا محاور؛ لا يدري الناس كم يخسر العالم من غياب أب عن ابنته.. 
وإني قرأت وسألت وتأملت؛ وجدت إجابات تارة، وازدادت حيرتي تارة.. ولا يزال حالي كقول إيليا أبو ماضي "كل ما في الأرض من فلسفة.. لم يعزي فاقدًا عمن فقد"
اشتقت إليك شوقًا.

----

Rahma Fateen

No comments: