Pages

Sunday, October 7, 2018

تحديث

دخلت في معركة بكامل إرادتي، أو لا، هل نحن مسيرون أم مخيرون؟ لا أدري، ولم أعد أشغل بالي بالأسئلة التي لن أجد لها جواب، أتركها لتكون بلا نهاية حتى أتطلع بحبي للمعرفة وحاجتي للشفاء إلى لقاء الله ليجيب لي عن هذا كله. المهم أني هنا الآن، أتساءل في أيام كثيرة، ما الذي فعلت في نفسي؟ ثم أنحي تلك الأفكار جانبًا لأني قد "حرقت المراكب" كما تقول أسطورة صديقتي الجديدة وفاء. هل من الطبيعي أن يشك المرء في صحة ما يعمل بمعدل مرة كل أسبوع بدون مبالغة؟ أحيانًا أظن أنه ربما شيطان، او لأني فعلا فعلا لا أحب العمل تحت الضغط، ولا أحب الوحدة. الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، زائد على ذلك نمط شخصيتي الذي يحب أن يكون حوله الناس وحول الناس، ثم حسي الذي أصبح مرهفًا بزيادة بعد ما تعافيت من اكتئابي الذي قتل شعوري بالكلية في وقت ما، أصبحت أبكي كثيرًا، أصبحت أشعر أني فعلًا "أحتاج" للبكاء، لم أكن مثل هذا من قبل، كنت أقول هذا "شغل بنات" ليس لي فيه، لكن انظر إلى! هل عدت لفطرتي أم تشوهت؟ أيًا يكن أنا أحب هذا الإصدار من "رحمة"، أشعر أني إنسانة أكثر، ولا بأس فالبكاء يريح القلب.
حاولت بشتى الطرق أن أجد لنفسي يد يمنى، شخص يكون مهمته أن يكون مستشارًا او مساعدًا أو حتى مجرد كتف أستطيع البكاء عليه أو ظهر أقدر على الاتكاء عليه، بحثت يمنًا ويسارًا، كلمت هذا وذاك، ولم يردني أحد. كان منهم من يحذر الآخرون مني أصلا -كما علمت فيما بعد- شعرت أني منبوذة، لكن ربما الخطأ ليس مني، يكفي جلد للذات  نفسي لا تستحق مني هذا، هو قدر الله حتمًا، يريد أن يعلمني أن أعتمد عليه ربما، وأن أستقوى على نفسي وأثق بها، وأن يقوي ظهري، ويرزقني إنجازًا -بإذنه- أفخر به عندما أعود وأتأمل.
تأملت في معنى الوحدة كثيرًا، تارة  لأخرج الحزن والضيق، وتارة لأهون على نفسي، وتارة لأقول لنفسي أنه لا بأس الوحدة أصلا ليست بالشيء السيء.
تناولت سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأني اشتقت إليه، تذكرت دعائي الذي استجابه سبحانه يوم رجوته أن يرزقني حب نبيه، وأنا اليوم أشتاق إليه شوقًا يكويني ويزيد وحشتي وحشة وضيق لأني حرمت صحبته ولا أجد في نفسي ما يؤهلني لأحظى بصحبته في الآخرة، لكني كتبت على أية حال..
-
(1)
الوحدة حال قاسية، والوحدة في القبر أمر مرعب في ذاته.
آخر فرصة لتحظى بدعم أحبابك هي في لحظة إخراج الروح من الجسد، حولك من تحب يرَونك وأنت تتألم وتغرق في عرقك ويهتز جسدك، فيقرأوا لك القرآن ويضعوا على رأسك بعض الماء علّك تهدأ، حتى تقبض روحك وينتهي كل شيء
بعد ذلك.. أنت وحيد تمامًا..
ترقد وسط التراب غير قادر على الحركة ولا يوجد أحد ليدفع عنك الأذى
يأتيك الملكان بعظمتهما وهيبتهما فترتجف وتفزع ولا يوجد أحد ليشد بيدك ويهدأك وينصرك على ما تُلاقي
ثم السؤال "من ربك؟" أنت تعرف الإجابة في الدنيا لكنك هنا وحدك تمامًا، ماذا إن نسيت؟ ماذا إن فُتنت؟ ماذا إن طغى ضعف نفسك على قوة إيمانك؟ ماذا إن كانت ذنوبك أكثر من أن يصفو ذهنك فتتذكر؟ لا يوجد معك أحد من أصدقائك الصالحين ليذكرك بأيام السمر وأنت تنشد الألحان الدينية بكل صدق، ربي الله، "من نبيك؟" لا يوجد أحد من صحبتك الأولى الذين شاهدوك وأنت تختار طريقك وتقرر الإيمان بالله واتباع سنة نبيه حتى أصبحت مختلفًا عنهم فيذكروك بما أردت دومًا الحصول عليه.. صحبة محمد صلى الله عليه وسلم، "ما دينك؟" لا يوجد أحد من أهلك يذكرك بكل اختيار أخذته في سبيل الدعوة ونشر ذلك الدين، كم خسرت وكم ضحيت.. ماذا إن نسيت كل ذلك من هول الموقف؟ ماذا إن خرس لسانك من الفزع والخوف؟ كيف ستضمن الثبات؟ أنت وحدك تمامًا..

انتظار لحظة معرفة مقعدك، جنة أم نار، كم ستلبث في قبرك وحيدًا تنتظر؟ توتر واضطراب واستحضار لكل ذنب اقترفته وكل صلاة فوّتها وكل ذكر دندنته دون تركيز، الأمر قطعي، إما جنة وإما نار. ليس معك أحد يهون عليك، تميل النفس في لحظات الخوف أن تتذكر السيء من الحال فقط، في دنيانا هذه يحتاج المرء لمن يذكره أنه ما زال بخير، وأن ثمة أمل وسط الضباب الذي يحيطه، وأن الله غفور، رحيم.. من يقول لك هذا في قبرك؟ أنت وحيد تمامًا.

ربما يا صديقي عليك أن تعتاد هذا اليوم، لا بأس على أية حال.
-
(2)
عن الوحدة مجددًا، والهجرة، ووفاة النبي صلاة الله عليه وسلم والفقد..

من ذاق عرف، ومن فقد بعد المذاق لم يعد يرى ما فقد بعينه الأولى، ولا يكون الألم كمثل الذي لم يدنو من الرزق أصلًا
أمر بمشاعر موت الرسول صلى الله عليه وسلم في حياتي هذه الأيام لتناولي طروف من سيرته، ويصعب علي تصور قدر الألم الذي كان عند أصحابه وقد انهالت الفتن عليهم قبل حتى دفنه صلى الله عليه وسلم، ماذا بعد انقطاع الوحي؟ ماذا بعد التواصل مع رب العزة واتباع أوامره في وقت المواقف؟ وماذا بعد غياب الذي لا ينطق عن الهوى؟ هل يصير دعاء الهداية بعد موته كمثل دعاء الهداية من قبل؟ أعاش ما يكفي من السنين ليكمل لنا ديننا؟ هل عاشرناه بما يكفي لنتسنى بسنته في المواقف التي لم تحدث من قبل؟ الكثير والكثير من القلق والخوف يحيط بهم رضوان الله عليهم، حتى وجدتني أحمد الله أن خلقني في هذا الزمان لألا أبتلى بالنقص بعد الكمال، فالوحشة من بعد أنس أكثر توحشًا من الوحشة التي جبلت في حياتنا من قبل كل شيء.

يتزامن هذا مع رأس العام الهجري الجديد، ويتردد في ذهني نشيد الأنصار "طلع البدر علينا من ثنيات الوداع" فأتذكر صديقتي النجمة التي حفرت مكانها في سماء شرفتي وتضيء لي الدنيا في عيني التي اغرورقت بالدموع فما عادت ترى شيء، طلع البدر في حياتهم والأمر فيه مفارقة قوية، لم يكن معهم من يصرف أمورهم ويصلح أحوالهم ويهدي سرائرهم حتى جاء هو صلى الله عليه وسلم وطلع البدر من ثنيات الوداع

"من وجد الله فماذا فقد، ومن فقد الله فماذا وجد"
من كان يعبد محمدًا.. فإن محمدًا قد مات
ومن كان يعبد الله.. فإن الله حي لا يموت
حي لا يموت، موجود لا تنفك ألطافه ونسائمه وأفضاله عن كل نَفَس وكل زرع وكل طريق 
ابحث عن الله في كل شيء تملك كل شيء
ابحث عن الله في صديقك، لا تفقده وإن مات
ابحث عن الله في وطنك، لا يحكمه الظالم وإن احتله
ابحث عن الله في عملك، لا يضيع هباءًا وإن فشلت فيه
ابحث عن الله في داخلك، فلا تيأس منها مهما عظمت ذنوبها
من كان معه الله فليس عليه شيء، ومن كان أنسه بالله لم يشعر بوحدة قط
من كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، محمدٌ مات، هل هذا يعني لا رشاد ولا هداية ولا حق بعده؟ 
(هو النبي الذي أفضى لكل فتى
بأن فيه نبيا إن هو اجتهدا)
-
(3)
الثالثة.

في صباحات حزينة يثقل القلب ومعه تباعًا المعدة فلا يستقبل فطَورًا، ويتمنى المرء لو لم يحتج لطعام، لو لم يحتاجه عمله فيرقد في سريره دون تأنيب ضمير ولا يقابل أي بشري، البشر كائنات مؤذية، قد تكون الوحدة ملاذًا في بعض الأوقات، وأحيانًا تكون مجلبًا للحزن.
ربما لن نحزن إن سمحنا للوحدة أن تكون دون أن نتسارع في وصفها بألفاظ قاموسنا المحدود، القلب لامحدود، تتجاوز المشاعر حدود الزمان والمكان، تتجاوز حدود العقل، صحبة نفسك وقلبك بالتأكيد تنقلك لعالم آخر لن تقدر على زيارته وحولك صخب ونصب.
في الوحدة لا تحتاج لأن تتشكل، من تُرضي الآن؟ الوحدة الغير الموصوفة لا تحتم عليك وصف نفسك أصلا فلا تعبأ بعدها بأوصاف الآخرين. لا أحد يعلم، مهما ادّعوا الاهتمام، لا أحد يريد أن يتقبل منك فهمًا آخر غير ما يفهمون، وربما لذلك الوحدة ملاذ آمن.
-لا أعرف لماذا يكتب الله في حياتي أن اتأثر وأعيش تغييرًا جذريًا في مفاهيمي واعتقاداتي وتباعًا تفكيري وسلوكي على يد أشخاص ليسوا موجودين، أتعلم منهم بعد وفاتهم أو سجنهم أو نفيهم، فلا يصحبني أحد منهم في مسيرتي، هل كتب الله علي الوحدة في هذا الشق أيضًا؟-
في ليال مفعمة بالأمل والحنين يهيج العقل ومعه تنسدل الدموع على ما فاتنا من حظ وما رزقنا إياه من جود لا نستحق، هل يمكن للمرء أن يؤنس وحشة نفسه بنفسه؟ عندما يشتد رباط الخوف من السير في الطريق بلا سند يتمنى المرء لو توقفت الحياة عند هذا الحد، القلب مليء بالرضا في هذه اللحظة فلم لا أموت الآن وأقابل ربي الذي أحب وأشتاق؟
تكوينا الأيام تلو الأيام طالما بيننا وبين أحبابنا مسافات وأسفار، تكوينا السيرة طالما قارنّا حظ الصحابة بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم وحبهم له، هل يمكن لحي في زمن محمد أن لا يحبه ويتحرى قربه؟ هل يمكن لمتبع له مصلٍ عليه أن يشعر بوحدة قط؟
صلى الله عليه وسلم
اللهم احشرنا في زمرته 
-
(4)
الوحدة والشوق وغياب أختي (٤)

تربيت على أن أعطي كل المناسبات حجمها، ولم تكن ذكرى يوم الميلاد بالنسبة إلي يوم يحتاج إلى احتفال وأن يغمرني الجميع بالهدايا والمباركات، ولأن للصداقة مفهوم مختلف عندي ليس عندي أدنى مشكلة أن أقول أن يوم ميلادي العشرين (الأخير) -مثلًا- لم يجلب لي أي صديق أي هدية على الإطلاق. وليس في ذلك عيب
العشرون رقم كبير، فكرت فيه منذ بضعة أيام، عندما نقول مثلا أن حدثًا ما قد وقع منذ عشرين عامًا تشعر وكأنه زمن أليس كذلك؟ عشت عشرين عامًا بالتمام والكمال، هذا كثير، وربما الذكرى في هذه الحالة تستحق أن تحظى ببعض الاهتمام الزائد.
كنت منشغلة جدًا ذلك اليوم، خرجت من المنزل صباحًا ولم أحظى ربما بدقيقة واحدة تفكير في ما هو تاريخ اليوم (إلا عندما تذكرني صديقات الجامعة ومرّوا علي لنقضي وقتًا سَوِيًّا).
اتصلت بي أختي قبل المغرب بقليل تسألني متى سأعود، كانت تفعل ذلك عندما تريد مني أن أحضر لها شيئًا، "هاتيلي مفاجأة" نقانق البطاطس المفضلة لديها أو المكرونة سريعة التحضير لأنها تريد أن تأكل شيئًا يجعل مذاكرتها أكثر متعة، ظننتها أرادت ذلك لكنها قالت "خلاص خلاص مش مهم" عندما أخبرتها أني سأعود في ساعة متأخرة، ربما هي تتضور جوعًا فقررت أن تستجمع طاقتها وتحارب كسلها وتذهب لمحل البقالة في ناصية شارعنا لتحضر ما تريد، أخيرًا يعني يكفي دلع، سلام.
تأتيني رسائل على الهاتف تهنئني وسط رسائل عمل فأقرأها وأقرر الرد فيما بعد.. كان يومًا عاديًا جدًا والحدث هامشي.

عدت للمنزل ووجدت باب غرفتي موصد، ليس هذا طبيعيًا لكن ربما كان أحدهم ينظف الغرفة في غيابي وقرر غلق الباب، لا مشكلة، فتحته مسرعة لأضع أشيائي وأجري نحو المطبخ لآكل شيئًا، ارتطم رأسي بأوراق منسدلة بشكل فني على الباب، وزينة معلقة بعرض الغرفة تقول "٢٠ سعيدة يا رحمة"، ومنة خلفي تقول لي في ضجر "دخلتي بسرعة كنت عايزة أصورك من الأول".
كانت هذه الذكرى الأخيرة قبل رحيلها التي تشاركها معي منذ ولدت، وكانت هذه أول مفاجأة يوم ميلاد ينجح فيها أحدهم أن يفاجئني بالفعل، حاول أصدقائي في مرة لكني عرفت خططتهم كلها من البداية وكنت أنتظرهم أصلا رغم أني بينت عكس ذلك حتى لا أفسد فرحة اليوم، لكن هذه المرة أنا تفاجئت حقًّا. لم يكن الأمر في بالي إطلاقًا، وكيف يعني سنحتفل في بيت جدتي البعيد عن الأسرة والأصدقاء؟ ربما في نهاية الأسبوع، لكن يومها؟ تسارعت نبضات قلبي وشعرت بامتنان لم أشعر به من قبل، حتى أنني احتضنت منة لأول مرة في حياتنا يومها. لم يجبر بخاطري أحد مثلها في ذلك اليوم، وكان هذا لطف الله لأحفر الذاكرة في قلبي بكل شعور شعرته.

في عامي الدراسي الجديد هذا تجنبت المبيت عند جدتي لأن منة ليست موجودة، وعندما كان انتقالي حتمي وجدت أنسي في الزينة والأوراق المعلقة من حينها لم أزلها. حبها اللامشروط، تفكيرها في من حولها بنقاء ومحاولة دائمة لإسعاد من تحب حتى وإن كانوا لا يستحقون، كنت أغضبها دومًا ورغم أنها كانت تثير غضبي إلا أني كنت أكره نفسي بعدها لأنها لا ترد الإساءة أبدًا، تتعامل معي ببراءة لامتناهية ورقّة تجعلني أشعر وكأني شرير القصة، وهي تتحسس حزني رغم ذلك.

كآلية دفاع نفسية يتجمد قلبي دائمًا عن استيعاب الأحداث في حينها، أحتاج لبعض الوقت بعدها لأنزل الحدث منزلته الشعورية وأتفاعل. لم أمر بمشاعر مجزرة رابعة الحقيقة بكل قلبي وعقلي إلا بعد الذكرى السنوية الثانية ربما، عندما كسر قلبي في مرة احتجت أسبوع لأستوعب ما حدث ثم تألمت بعدها، عند زواج أختي.. مر ٤٦ يومًا الآن وها أنا أبكي فراقها لأول مرة.
البيت موحش بدونك، أذني خالية من الثرثرة والجو هادئ بشكل قاتل، طفولتي وبلاهتي أصبحا يخرجان للعامة من الناس الآن لأني لم أجد لهما ملاذًا أمارسهما فيه وأسخر منهما معه. أصبحت فقرة اختيار الملابس صباحًا من أسوء الفقرات في اليوم، خياراتي صارت محدودة (دولابي فقط)، وذوقي تحت الاختبار وقليل ما أفلح
أتصنع دائمًا جمود المشاعر لا أدري لم.. ولم أكن أتخيل أني أحبك وسأفتقدك لهذا الحد.

لم يعد هناك بنات في البيت غيري وأمنا الجميلة، لا أحد يملأ فراغ غيابك، أشعر بالوحدة وأشتاق إليكي، أتمنى أن تعودي قريبًا..

-
(5)
بين ما تطمح إليه، وحقيقة نفسك، وواقع مجتمعك الذي كتب عليك

أن تكون محاطًا بالصالحين والقدوات والهمم، فيشدوا بيدك نحو ما تطمح إليه، ذلك من خير رزق الدنيا ونعيمها
أن تكون ذا قلب صادق يعرف ماهيته وما يريد ويحتاج، فتراقب نفسك وتطورك وزللك وتلجأ للعزلة حين يتطلب الأمر
أن تعيش في مجتمع ينبض بالقيم التي يرددها، يتطلع دائمًا لإصلاح داخله وخارجه، فتكون بيئة صالحة تدفعك للأمام 

أن ترزق بالثلاثة في آن واحد، فقد ملكت الدنيا وما فيها.

على النقيض.. شعور الوحدة الحقيقي 
غياب المربي والمعلم والشيخ والقدوة، لا تتعرف على من يؤثر فيك ويغير مسار حياتك إلا بعد رحيلهم، فتظن أن طموحك ربما أكبر منك، من يرشدك ومن يأخذ بيدك ومن يضيء لك الطريق؟ ربما هم هم وأنت أنت، لن تستطيع في يوم أن تكون مثلهم، لم تعايشهم قط فلم تحظى بفرصة التعلم منهم
هل كتب عليك أن تحب الصالحين ولا تكون منهم؟ أبدًا؟
تقول لي أمي: ليست العبرة بمن سبق وإنما بمن صدق
لكن كيف أعرف أني على الطريق؟ ثم كيف أضمن الثبات؟

سمعت عن من جعل الله غناه في قلبه؟ تساءلت في مقال سابق عن من يؤنس وحشة نفسه بنفسه، ذلك الذي يعرف ربه فيعرفه ربه ويعرف ملجأه الحقيقي الذي لا يغيب؛ فيلجأ إليه دون البشر
صادق القلب يراقب حاله مع حبيب لا يظهر أمامه وينفض بيده حين يغضب منه أو يشتكي من قلة الوصل
صادق القلب يراقب حاله مع صديق قريب يمن وينعم حتى وأن قصر هو، مع واسع غني يمهله مرة ومرتين وثلاث مرات
فيدرك هو من نفسه كيف حاله بناء على ما يرى من نفسه لا ما يرى من مؤنس وحشته، لأنه سبحانه لا يغيب ولن يغيب، لا يمل، "أنت من تمل".
صادق القلب يعرف، ويعود، فيغنى ويستقر.

ربما الغربة وسط المجتمعات شعور يحاصرك في سجن وأنت في البراح، في اليوم الواحد لا تقابل أقل من عشرة أشخاص مختلفين، كل يوم يترددون عليك ويتلطفون بك وينشرون البسمات، رغم ذلك تشعر بالغربة والوحدة وتتمنى لو ابتلعتك الأرض أو جاء موعد الرحيل
ربما تكون الغربة شعور مريح عندما تكون في مجتمع قيمه غير قيمك، ومبادئه غير مبادئك

ربما يضعك الله في مثل هذا ليقويك على الأولى، ويلجئك للثانية
فتتعلم أن لا تنظر لرزق ليس عندك، وتحمد الله على قضاء كتبه عليك
وتتعلم
وتعود إليه

هذا الختام، والسلام.
-
ختمت بهذا كلامي، وظننت أني تعافيت وتصالحت مع كون معركتي أخوضها وحدي هذا العام، لكن ها أنا ذا، لا أقوى على ذلك رغم كل شيء، العقل ليس بقادر على تحريك القلب أبدًا أبدًا مهما حاول، وأنا لا أحب الضغط، ولا أحب الوحدة، أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأتمنى لو كان معي أحد يشد بيدي.
ٍسألقي كلمة على الجمع لأول مرة لهذا العام غدًا، لا أعرف ماذاسأقول حتى الآن، أظن أني لا أهتم بهذا القدر أصلا لذلك لا أفكر بما يكفي، فيم أفكر الآن إذًا؟ في أني وحيدة وورايا هم ما يتلم، وأني أريد البكاء. نداء الإنسانية أولى من نداء الدراسة، ثم أني حاولت والله أن أقرأ بعض المقررات علي لكن عقلي شارد، وأنا صادقة مع نفسي، إن أنهيت هذه الورقة بعيني سأغلق الحاسوب وأمحو ذلك من قائمة الأعمال التي يجب أن أنهيها، فأزيح بعض الضغط لكن أعرف في قرارة نفسي أني لم أفعل شيئًا ولم أستفيد على الإطلاق، هل سيكون هذا حالي طوال العام؟
أنا قلت والله إيه اللي أنا عملته في نفسي دة. يارب.
Rahma Fateen