Pages

Monday, March 19, 2018

لماذا القضية الفلسطينية

حدثونا كثيرًا عن اللحظة الأولى، بهاء وعظمة بيت الله الحرام الذي يسحرك فلا تستطيع إبعاد النظر عنه، هناك من يبكي وهناك من يسقط مغشيًا عليه.. لكن أيًّا كان رد فعلك، احذر أن يفوتك الدعاء الأول فهو مجاب.
كان عمري ١٣ سنة حينها، لا أتذكر الدعاء الذي رجوته رغم أني كنت أعد لتلك اللحظة منذ أخبرني جدي أنه سيأخذني معهم هذه المرة للعمرة. كلما تذكرت أني ضيعت علي نفسي دعائي الأول (لأني نسيته) أعود وأقول ربما يكون قد أجيب وأنا لا أدري! فأبتسم.
صعدت الدرج وقضيت اليوم في الطابق الأول بعيدًا عن الزحام، لم أستطع الإقلاع عن النظر للكعبة.. سوداء كليل كاحل وفي الوقت ذاته رونقه يسطع في عز النهار. إن كان بيت ربي عظيم كهذا، وهو من صنع بشر، فكيف بعرشه؟
قام الإمام لصلاة الظهر وأنا لا أستطيع النظر موضع السجود.. المشهد مهيب..
نظرت أمامي فوجدت المصلون في الطابق الأول في مقابلي يصلون باتجاهي! الكعبة في المنتصف وكلنا نوجه وجهنا للقبلة، اختلست النظر بعيني يمينًا ويسارًا ووجدت الطابق الأول يدور في دائرة، ثم نظرت للأسفل ووجدت الدوائر تضيق، صفوف الصلاة التي نحرص على أن تكون مستقيمة (زي الألف) في الحقيقة دوائر!
تخيلت الدوائر تتسع وتتسع، تضم عدد أكبر من المصلين القانتين، مزيد من الراجين رحمة ربهم، مزيد من حاملي الهم طالبي التخفيف، مزيد من المذنبين التائبين..
الدوائر تتسع ليقف الجميع -جنبًا إلى جنب- والله يسمع همساتنا وصلواتنا كلنا في آن واحد كأنه لا يوجد في الكون سوانا، الدوائر تتسع وتغطي الكون كله.. هل من سائل فأعطيه؟
نظام واحد لخالق واحد، الشمس في المنتصف تدور حولها الكواكب، الذرة في المنتصف تدور حولها الإلكترونات، الكعبة في المنتصف يتوجه المسلمون نحوها في قبلة ثابتة.
لقد ازداد المشهد بهاءً.. آمنت بالله
-
القضايا كثيرة وتزداد يومًا بعد يوم، لا نهاية لتجبر الظالم والعالم قادر على مفاجئتنا بوحشيته كل لحظة، ولن يتوقف إلى قيام الساعة.
لماذا إذًا لا يزال الجميع يتحدث عن فلسطين؟ لماذا بالتحديد المسجد الأقصى؟
صراع عقدي وأولى القبلتين ووو.. لكن "عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف الكعبة ويقول (ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك..)"
يقتل من بني آدم بالمئات ونحن لا نعرف عنهم شيء، يشرد الأهالي من أوطانهم كل يوم، تغتصب النساء وييتم الأطفال.. لماذا القضية الفلسطينية؟
يقولون أنها ميزان الأمة ومؤشر صلاحها وأنها مركز القضايا.. لكن لم؟

أخذني التفكير في القضايا الأخرى إلى أحد سجون مصر، لم يسعني إلا أن أتذكر د.صلاح سلطان محامي القضية الأكبر.
تحكي عائلته عن التعذيب والتنكيل والظلم الذي يتعرض إليه في محبسه الذي يقبع فيه منذ أربع سنوات، وكيف أنه -للعجب- رغم كل شيء، في كل زيارة ورسالة يقول أنه متمسك بيقينه في الله أنه سيخرج ويستشهد عند المسجد الأقصى!
لطالما تساءلت؛ كيف باستطاعته التثبت بالأمل في القضية الكبرى وعلى ما يبدو أنا قد هزمنا في القضايا الصغرى، لماذا لا يزال يكترث؟ أفلا يكفيه همه؟
لكن ماذا إذا كان إيمانه القوي بالقضية الفلسطينية هو ما يجعل منه مؤمنًا حقيقيًّا بوعد الله ونصره؟ ماذا إذا كان استعداده للقاء العدو -في كل نَفَس- من إيمانيات وتنمية عقل وبناء بدن، هو ما يجعل قلبه مضادًا للشك واليأس؟
تعجبت! عندما نرتب أولوياتنا في قراراتنا واختياراتنا في الحياة، نستقصي كل ما لا يقربنا إلى الله عز وجل، فهل إيماننا بالقضية الفلسطينية يقربنا إلى الله؟
الذي يجعل القضية الفلسطينية مستحقة لتكون مركز قضايا الأمة، هو وعد الله لنا بالانتصار فيها. يمكن للمرء أن يعيش حياته مدافعًا عن قضية ما، لا يدري أن كان سينتصر فيها.. لكننا موعودون
حين تؤمن بالله، تؤمن أن وعده حق، أن الله متم نوره ولو كره الكافرون.. فتؤمن بالقضية ويملأ قلبك اليقين فتتقرب إلى الله، وتقف في صف جيش الأمة.. الذي هو في الحقيقة دائرة تدور 
أتذكر نظام الكون؟ شمس وكواكب؟
أتذكر حين قالوا لك وقت حزنك أنك لست مركز الكون، فانهض؟
اسمح لي أنا أقول العكس
أنت مركز كونك.. لا لا، قلبك هو مركزك. يجب أن يكون هو همك الأول.. أصلحه قبل أن تفكر في إصلاح الأمة، انصره قبل أن تنصر فلسطين
الأطفال المشردون لا يحتاجون إليك تحديدًا.. يحتاجون فقط لاكتمال الدائرة.. القلب المشوب يعيقه


قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ 

Rahma Fateen