Pages

Sunday, June 16, 2019

اختفاء بابا


10 يناير 
في عصر التكنولوجيا انت عندك مليون طريقة تطمن بيها على حد بعيد عنك، فيديو يوريك صوت وصورة كأنك معاه، لو مفيش صورة ممكن مكالمة تسمع صوته، مفيش صوت ممكن صورة ثابتة أو رسالة نصية، مفيش تكنولوجيا أصلا ممكن جواب ورقي، حمام زاجل، أي حاجة!
في بلاد الظلم انت بتبقى عايش في نفس العصر بس ممكن تقعد شهور متعرفش ربع معلومة عن حد بتحبه، خلينا نسلّم لاحتمال إنه بإذن الله حي يرزق، بياكل طيب؟ الجو عامل معاه ايه؟
بنتعلم نسأل نفسنا، هل انا مطمن علشان هو في جوار ربنا وده كافي، ولا علشان فيه حاجة قادرة تطمني عليه؟ إيمانك باسم الله "الحفيظ" بيبدأ يتحط تحت الاختبار.
هو وحشني بس.. استودعناه رب العالمين.

-----
4 فبراير
بالأمس سألنا الأستاذ في بداية لقاءنا عن أسماءنا، وحين جاء دوري قلت "رحمة سيف الدين". سكت الأستاذ قليلًا ثم رددها؛ "رحمة سيف الدين"، كأنه لمس جمالًا ما أو شعر بشيء فريد دعاه ليُسمع أذنيه تركيبة الاسم مجددًا، وهو أستاذ اللغة العربية ويعرف جيدًا كيف أن الكلام المنطوق يصل للمستمع بطاقته، وأنا لا أحمل سوى الحب والشوق حين أنطق اسمك، والفخر والشرف حينما أقرنه باسمي، ولذلك تستحق أن تتراقص الأرض ومن عليها، وربما خُيّل له ذلك أيضًا.

--------
30 يناير
"أحبك بكل ما نودي اسمي وتزين باسمك بعده"

علمني ديني أن أهذب ذلك الحب، علمتني الحياة أن الفراق حقيقة لا فرار منها، والحب الصادق الحقيقي هو ذلك الذي يختلط بالروح فلا يتزحزح بغياب الشخص لو كان حيًا، ولا يتأثر بموت الحبيب لأن الحياة لا تتوقف مع الموت، والأرواح تعيش أبد الآبدين.

أبي غيابك لا يؤلمني إلا لكونه قسرًا وظلمًا، وليس من سنن الحياة الطبيعية، ولو أن تفشي الظلم من سنن الحياة.. فإني أشتاق إليك وحسب. 
سأكتب لك بدلًا من مذكراتي، وسأتخيل ردود أفعالك على كل شيء كأنك هنا بالظبط، بجانبي، وسأسقي الحب بأمل اللقاء، وفي المرة القادمة التي تذهب فيها، خذني معك :)


----

6 مارس
،عزيزي بابا
بكتب لك وأنا معدية على مبنى أمن الدولة اللي بيقولوا إن أنت فيه، وكأن معرفتنا بوجودك في مكان زي ده شيء يدعو للطمأنينة في وسط وحوش، احنا مطمنين من أول يوم علشان استودعناك ربنا وهو حافظك، بس على الأقل بعدي كل يوم أبعت لك سلاماتي ودعواتي وقبلاتي، وحبي وشوقي وحاجات تانية كتير..

الظلم بيعمل حاجات كتير سيئة في الإنسان، بيخليه طول اليوم بيفرك في نفسه، دايمًا عنده صراع داخلي ما بين ألمه وغضبه وكرهه للأذى والمؤذيين، وما بين سلامة صدره وإنه ينام كل يوم مفيش في قلبه ذرة غل أو كراهية. بينام يقرر إنه هيتقرب إلى الله بتنقية قلبه، وبيصحى وسط الليل من كوابيس تجسد أشكال مختلفة لأذى الناس، وكأن أذى النهار والصحو لا يكفي، وكأن ربنا بيختبرنا في ما نطلب حيازته.
الفكرة في الأذى النفسي إنه أثره بيكون عميق جدًا وبيحتاج وقت طويل علشان يروح، ممكن حد يطلع برة حياتك وربنا ينجيك من استمرار أذاه، لكن شبحه بيفضل يطاردك وأغوار نفسك بتصرخ وتستنجد، وانت مش عايز غير إن الصوت ده يسكت للأبد ويريحك، بس هيهات، لازم تتألم كل يوم، لازم قلبك يعتصر كل يوم، لازم نوبات الهلع تفسد وقارك واضطرابات القلق توترك من لا شيء طول الوقت.

يا بابا، أنا حقيقي بحاول أتعلم من ماما إني مشتكيش، أمنا ست عظيمة والله، هكتب لك عنها مرة، وأنا بحاول أكون زيها في حاجات كتير. أحيانًا اللي بيخليني ألجأ للشكوى هو إنكار الناس المؤذية لأذاهم لأنك قدامهم متماسك وزي الفل، بعدين أرجع أقول هينفعني إيه إنهم يشوفوا؟ لنظرة رحمة من الله على حالي أحب إلي من شكوى إلى الخلائق يشفقون بها علي أو يتفهمون ما في قلبي! قالها سيد الناس وقدوتي، احتسبت ألمي عند الله وفوضت أمري إليه.

أنا عمري ما اتمنيت لحد الأذى في حياتي، ومش بستوعب وجود بشر قادرين على تمني الأذى للناس أصلًا، أسماء بتقولي إني علشان كده بتألم الضعف، وأنا حقيقي مش عارفة هل دي ضريبة إن حد يبقى كويس في العالم ده؟
من كم يوم كنت بقرأ حاجة كتبتها يوم ميلادي الـ١٨ عن عبدالرحمن الجندي، وازاي إني -على عتبة مرحلة جديدة في حياتي وقتها- بشوف الناس المجتهدة المخلصة بتتحبس وبتتظلم وكل خير جواها بيتشفط، طب أنا مفروض أعمل ايه؟ أتقي ربنا وآخذ على دماغي ولا أبقى قليلة الأدب وسليطة اللسان علشان مسمحش لحد يتعدى عليا؟
نفس الكلام عليك يا بابا، ده جزاءك؟ ١١٢ يوم محروم من أهلك ومحرومين منك علشان إيه؟ مش عارفة أطلع لك حاجة سيئة فعلا تستدعي إنهم يعاملوك بالشكل ده، وتقريبًا هو مش بيكون فيه حاجة، وده أصل الظلم، افتراء وقلة رباية وخلاص.

بابا أنا مش بدعي ربنا يرجعك لينا قريب، أنا بدعي ربنا يرجعك لينا، سالم معافى وكويس، التوقيتات بتاعة ربنا ومش هقدر أعرف أنا الخير في إنك ترجع امتى، بس انت وحشتني جدًا، وعلى رأي أسماء نصر "ظهرنا بقى عريان اوي"، وبقينا رجالة واحنا عايزين نتدلع بس والله ونبقى كويسين.
لله الأمر من قبل ومن بعد.

بنتك،
رحمة

----

30 يناير
يتردد في ذهني كثيرًا مشهد يوم يسافر أحدنا أو يغيب أحد أفراد الأسرة لوقت طويل فتقول ضاحكًا "يا ترى هو عامل ايه؟ مبسوط ولا زعلان؟ جعان ولا شبعان؟ بردان ولا حران؟" وتتصنع التأثر وسط تقليدك لعوكل لتخفي تأثرك الحقيقي الذي يتفجر من سكونك وصحوك ونومك.
أتخيل المشهد وأنا أتساءل عن حالك، أكيد أنك مش مبسوط، لكن هذا يا أبي ثمن يدفعه المؤمن، أليس كذلك علمتنا؟ 
يسعدني حضورك في خيالي -وأنت لا تغيب- فأبتسم، وأقول هو في جوار الله والله حفيظه على أي حال كان.

-----

20 مارس
صباحيات

كل جمال في الدنيا، كل وردة بيضاء، كل فتاة حسناء، ضحك أطفال، منظر غروب أو شروق؛ الله مصدره، والله أجمل منه.
ترى جميلًا فتقول "سبحان الله" لأن الجمال يذكرك به، وهو أكمل صورة للجمال في عقلك، فتعظمه وتنزهه من كل نقص وعيب.

أول ما وعيت على الدنيا وتعلمت عن الفكر وأسرت به كان من خلال أبي، مصدر إلهامي الأول. لا أذكر أني سألته سؤالًا من قبل عن أمر يشغلني إلا وأجابني بما يشغل تفكيري أكثر. يلقبه البعض "العبقري" لبراعته في مسائل الفيزياء والرياضيات المعقدة التي لا يفهمها الكثيرون، وراق لي هذا اللقب كثيرًا، دائمًا ما كان عنده إجابة لكل شيء.
كبرت وصرت أجول في طرقات العلم وأتعلم على يد علماء نابغين، وكلما تحدث أحدهم عن مسألة تشغلني فأنار لي عقلي وشغل تفكيري أكثر، تذكرته. هو يمثل لي الفكر والعقل والحكمة والرأي السديد والخلق الراقي، متى تجمعت هذه الخصال في امرئ آخر رأيته فيه، وصار قدوتي، فازداد مقام أبي وصار هو القدوة لي متكررًا ومتمثلًا في شخوص عديدة.
يقولون؛ أبوك من علمك، وأنا لي آباء كثر، وليس لي أب سواه.

لي رب عظيم يشملني في لطفه ورحمته ويعفو ويغفر التقصير والزلل. 
ولي أب عظيم يزيدني بوجوده وبكوني من نسله.
ماذا قد أريد من الدنيا بعد ذاك؟
أن يجمعني الله به، وبه.


----

5 إبريل
الإيمان يبعث في النفس الأمل، لكنه ليس كالأمل.

الأمل يشعل دواخلك في انتظار موعد محدد، لقاء قريب، فرج بشكل رسمته في خيالك، أو هلاك عدو أو عودة حبيب. 
من مشاهدة بسيطة لسنن الدنيا تعرف أن الأمنيات في العادة لا تتحقق، لا يراد لها أن تتحقق، كل شيء في الدنيا يحارب لكي لا يتحقق حلمك الصغير التافه البسيط في أي ترى أبوك مثلًا أو أن تتزوج ممن تحب.. وكلما تمسكت بالأمل أكثر؛ كلما زاد الاشتعال، وتظن أنه ضوء في آخر النفق؛ لكنك في الحقيقة تحترق، ولو كنت سعيد الحظ لوصلت لمرادك في رماد، وإلا تموت كمدًا وتلعن العالمين..

أما الإيمان، فأصله إيمان، فرع صغير مشتق منه يكون الأمل. وليس رجاء حدوث ما تتمنى، ولكن رجاء جود المولى عليك، فترضى بأي حال يكتبه لك ويضعك فيه، سواء تحققت أمانيك أم لم تتحقق. 
في الإيمان تتعلق بحي لا يموت، بجواد لا تنفذ خزائنه، برحيم يفوق رحمته رحمة الأم بولدها، وليس بحلم يخيل لك في فهمك الضئيل أنه سيكون سببًا لسعادتك ورضاك، ولا بسلطان يهيأ لك أنه بيده الأسباب والإمكانيات لتلبية كل أمانيك، ولا بأي شيء من عالم الشهادة ضعيف الحيلة ممسك بالرزق بخيل الطبع يخشى زوال ما يملك!
الإيمان يملأ قلبك أملًا نعم، لكن لأن قلبك ممتلئ بالإيمان، فيأتي هذا تبعًا لذاك.
الأمل وحده خطر، يقتل الإنسان وهو حي.. أما الإيمان؛ فهو ينبت الزرع في الأراضي البور، ويهز الجبال ويشق الصخور.
وكل متعلق بغير الله مخذول

-----

22 إبريل
أتعجب كثيرًا حينما أتأمل أقدار الله. 
تعلمت في المائة وستين يومًا اللائي غُيّب فيهم أبي أكثر مما تعلمت في سنيني الجامعية الثلاث. ولم أجد للأفكار التي ملأت رأسي وطردت النوم من عيني لليالٍ طوال ملجأ ولا محاور؛ لا يدري الناس كم يخسر العالم من غياب أب عن ابنته.. 
وإني قرأت وسألت وتأملت؛ وجدت إجابات تارة، وازدادت حيرتي تارة.. ولا يزال حالي كقول إيليا أبو ماضي "كل ما في الأرض من فلسفة.. لم يعزي فاقدًا عمن فقد"
اشتقت إليك شوقًا.

----

Rahma Fateen

خواطر 2018



من فقد أُنسه بين الناس ووجده في الخلوة فهو صادق ضعيف. 
ومن وجده بين الناس وفقده في الخلوة فهو معلول. 
ومن فقده بين الناس وفي الخلوة فهو ميت مطرود. 
ومن وجده في الخلوة وبين الناس فهو المحب الصادق القوي. 

ومن كان فتحه في الخلوة لم يكن مزيده إلا منها. 
ومن كان فتحه بين الناس ونصحهم وإرشادهم كان مزيده معهم. 
ومن كان فتحه في وقوفه مع مراد الله حيث أقامه، وفي أي شيء استعمله كان مزيده في خلوته ومع الناس. 

فأشرف الأحوال أن لا تختار لنفسك حالة سوى ما يختاره لك ويقيمك فيه، فكن مع مراده منك ولا تكن مع مرادك منه.

-ابن القيم

------

قبل عام أرسلت لشيخي خطابًا أصف فيه غضبي من تأويل شعرته لآية في سورة الكهف 
"واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم للغداوة والْعَشِي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم"

صيغة الأمر في هذه الآية جعلتني أشعر وكأن الصبر كله يقع على عاتقي وأن ذلك هو الأمر المتبقي وحده..
"الذين يدعون ربهم بالغداوة والعشي" موجودون حولي، فقط أنا على الصبر على صحبتهم ومجالستهم

لكني تلك الفترة لم أجدهم بالفعل، افتقدت الصحبة الصالحة للحد الذي جعلني أغضب عندما أقرأ الآية كل جمعة.. أوجدهم عندي يارب وسوف أصبر!

أدركت أن الصحبة الصالحة رزق.. من يعينك على نفسك ويجرك عكس تيار الدنيا بأسرها، عكس ثقافة مجتمع تعيش فيه، عكس معايير القبول في الوسط "المثقف"، عكس مطامعك وهواك شخصيًا.. ذلك رزق.. أثره يبقى وإن تفرقت الأجساد.

أي صاحبتي،
في يوم مشمس وأنا أجول في الطرقات.. تذكرتك.
لم يكن الذي بيننا حبًّا فريدًا أصف عمقه في قلبي الآن ما يجعلني أشعر بوجودك رغم آلاف الكيلوميترات بيننا.. كان الذي بيننا أكبر من ذلك بكثير
جلسات الأرصفة في الثورات، صلوات المساجد وقت الجنائز، شهود السماء في ليل غاب فيه القمر
كل فكرة آمنا بها سَوِيًّا، كل حلم رسمنا ملامحه كطفلتين لم تكونا على دراية بما يحمله المستقبل من فراق.. والآن كل منا في طريقه..

أي خليلتي،
ابتسم لي طفل صغير في نفس اللحظة التي تذكرت فيها ابتسامتك، وفي نفس اللحظة التي لسعتني فيها نسمة هواء بارد على خدي، ضممت معطفي على جسدي وشعرت بضمتك.. 

أدركت حينها، أن الصديق الذي يذكرك بالله وبسبب وجودك، الذي يشد على يدك وقلبك وقت اشتداد الكروب والفتن، الذي يريك آيات الله فيك وفي كونه.. لا يغيب.. أبدًا

فقط.. لا تعد عيناك عنهم
اشتقت إليكِ

-------

صباح الجمعة

-مشكلة مخالطة الناس والصبر على أذاهم؛ أن يتحول ذلك الصبر لاعتيادٍ وجمود، فلا تنكر المنكر بيدك، وتختلط أكثر فلا تنكر المنكر بلسانك، وتختلط أكثر فلا تنكر المنكر بقلبك، وتختلط أكثر فتصبح مثلهم ومثل كل ما عبت يومًا!

-العزم قرار، والتوكل عملية لا تتوقف.. إذا عزمت الشروع في أمر ما؛ فامض فيه.. لا يبرئك أمام الله في عدم إتقانك وإخلاصك أي إحباط أو خمول، اجمع شتات قلبك واسترح حين تنهي العمل على الوجه الذي يرضيه.

-ظننت الصدق مع النفس أسمى الغايات في الدنيا، لأنه يصلح أي شيء بين العبد وربه، وبين المرء وأهله وأقرانه، وبين المرء ونفسه قبل كل شيء؛ صراحتك مع نفسك تجعلك قادرًا على اكتشاف العلة -سواء بدأت في إيجاد حل لها أم لا- وذلك نصف الطريق.
لكن الإفراط في مراقبة النفس مع الوقت يجعلك لا ترى إلا نفسك، للحد الذي يجعلك ربما فيما بعد تدوس غيرك، فاحذر.
سبحان من خلق الإنسان غير قادر على العيش وحده، وسبحان من أنزل منهجه منهجًا وسطيًا معتدلًا.

-"وهل تسع الأرض
قسوة أن تصنع الأم فنجان قهوتها، مفردًا،
في صباح الشتات؟"

-------

وكأني في رائحة الأرض الرطبة من بعد غيث أشتم رائحة الجنة
وكأني في انعكاس قطرات المطر على أوراق الشجر الأخضر أرى الروضة
وكأني في صوت الهطول أستمع إلى قلبي يهتز بداخلي.. ما زال في القلب نبض، ما زالت الفرصة للعودة 
(وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته)
آمنت بالله.

إن لم يكن غرضي في عملي بقدر نقاء قطرات سحبك.. فلا تجعلني أمضي فيه خطوة واحدة زائدة
يارب
اغسل ذنوبنا بالماء والثلج البرد

-------

صباحيات

أعتقد أنه مهما بلغ الإنسان من التقدم العلمي، فلن يصل 
للجزء الذي يجعله سعيدًا وحزينًا وقلقًا وغاضبًا ومتألمًا وراضيًا في نفس ذات الوقت.
لُب تعقيد الحياة في مشاعر الإنسان، ولب الحياة بالنسبة للبشر أن يشعروا..

ترى الواحد منهم يدفع الأموال ليسافر ويتمتع بالحياة، فهل (التمتع) يكون في المنظر الجميل ذاته؟ أم في شعوره بالنشوة عندما يرى جميلًا؟
هل يكون للأكل طعم عندما تكون مزكمًا؟ هل تكون الصلاة صلاة عندما لا تخشع وتستشعر وقوفك أمام الله؟ هل تكون القفز من الطائرة لحظة لا تُنسى، إن لم تكن مصحوبة بخوف ثم عزيمة ثم شعور بالحرية والسعادة؟
هل تكون للحياة معنى، إن لم تشعر أنك تحيا؟ وهل ستشعر أنك تحيا، دون مشاعر؟

عزيزي المكتئب؛
دوّن ما تشعر في كل لحظة، وراقب مشاعرك عند كل تصرف، تثبّت بالحياة يا صديقي..
المشاعر دائمًا مُركبة وأحيانًا غير قابلة للتفسير، وهي مِن أعظم ما خلق الله فينا.. صدّقني، الحياة تستحق ما دمت تشعر. راقب عظمة الله فيك، هو لم يتركك وحدك.


------

قررت منذ زمن بعيد
أن تكون خيّرًا
فضّلت رغم انتصار الأشرار
أن تقف أمام الموج.. عاريًا 
لم تستطع لأيامٍ أن تفتح عينك من اكتساح الظلام
لكن ظللت تبحث عن النور.

سردت في عقلي نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) بعد ما انقطعت به السبل؛ وهو يمشي مسافات طوال.. وحده.. في الصحراء.. صلى الله عليه وسلم.. في محاولة لإيجاد من يُؤْمِن به في الطائف
وصل وإيمانه بالله قد بلغ أشده.. سيجبرني..
لم يترك إنسًا إلا وكلّمه، لم يسمعه أحد إلا وكذّبه
قابله الأطفال بالحجارة، والسبّ والقذف..
صلى الله عليه وسلم
حافيًا داميًا وحيدًا.. كذّب به قومه وطردوه.. قالوا عنه ساحر كذاب كاهن مجنون 
فما عساه أن يفعل بعد؟

«فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ. فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ. فَقَالَ: ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ». فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا»

"لم أجد في القرآن أمراً للمؤمنين بالاقتداء؛ بل بالتأسي.
فما الفرق بين الأسوة والقدوة؟
الأسوة أنك قد لا تلحق بالمتأسى به؛ (والمواساة والمؤاساة ) سواء، وإنما خففت الأولى؛ ولها معنى سيأتي.
فلفظة (أسا يأسو فهو آسٍ) يدخل فيها المواساة والمعالجة (ومنه الطبيب الآسي)، فالأسوة من يعالجك ويساعدك ويواسيك وتنتفع بتذكر سيرته كلها. 
ومن هذا الباب يقال : الأسى، أي الحزن؛ وبينهما علاقة؛ لأن المؤمن غالباً حزين لما يرى ويجد من التكذيب بالحق؛ فلذلك الرسول أسوته، فتذكره علاج لك؛ فقوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ والْيَومَ الْآخِرَ)، فيها تعزية لكل صاحب حق مكذَّب؛ أي فيها علاج وتعزية ومواساة تقويك في الثبات على الحق؛ أي لك في رسول الله تقوية لما تواجهك من أمور ومصاعب، فقد واجه نفس العصبيات والمكابرات.
فالأسوة من الجهتين؛ فالنبي طبيب لحزنك وأساك؛ أي النبي آسٍ وأنت مأسوٌ، وبينهما التأسي منك إن شئت، أي هو معالِج وأنت معالَج؛ وفعلك تقبل العلاج.
وهذه الآيات تشير إلى أن الحق سيبقى غريباً؛ وأنه مثلما لم تعي الأكثرية وحزن الرسول لذلك وجاء (يا أيها الرسول لا يحزنك...)؛ فستواجه الأمر ذاته."

اللهم اجمعنا برحمة العالمين

-------

حاولَت التماسك في ظرفٍ من المفترض به أن يكون سعيدًا؛ لقاءٌ بعد فراق طال..
لكن عيناها اغرورقت بالدموع وازداد وجهها احمرارًا على احمرار خدّيها الفاتن
قالت: كلما كبرنا كلما كان من الصعب علينا اللحاق بهمومنا وحدنا، فضلًا عن هموم من نحب، فضلًا عن هموم الأمة..
ويبقى التحدي أن نرمي كل ذلك وراء ظهورنا بين يدي الله.. ويكون همنا الوحيد هو الآخرة، التي لا نراها ولا نعرف معادها؛ كيف ذلك؟ كيف؟؟!
واجهشت بالبكاء
ولم أقابلها سوى بالصمت..

مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ۖ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ 
[الشورى 20]

ومن كان يريد حرث الدنيا نُؤْتِه منها وما له في الآخرة من نصيب..
لا والله لا نريد الدنيا! يارب عدّل موازيننا ولا تحرمنا بذنوبنا نصيب الآخرة..
-
دواء آلام القلوب الأعظم هو مرور الوقت
ذلك الزمان الذي لا تعريف له، هل تراه؟ هل تتذوقه؟ هل تلمسه؟ هل تسمعه؟ هل تشعر به يداوي جرحك حتى؟ ما هو الوقت؟

إن كان الكون هو الإنسان، فالوقت روحه
الفضاء ينحني حيث ترقد الأجسام الضخمة، والوقت يتشكل حول الآلام الكبيرة
الروح لا تجد متسعًا في القلب وقت الألم، فيأتي الزمان بفيض من الأيام والسعة ليضمد كل ما لا يطاق

تمنيت لو أخذت من مخزون وقت كل جارح وأعطيته لكل مجروح، وكل مجروح محتمل، هم الأكثر حاجة إليه..
تمنيت لو عشت عمرًا ناقص الطول في سبيل كل من تألم، واسع العرض كافٍ لتحمل كل مصائب الحق والوقوف مع المظلومين
تمنيت لو كان الوقت بيدي.. للحظة
وفي لحظة تمنيت الخلود

-------

خاب وخسر من تزامن بذله وجهده وفعله وكلمه مع نقص إيمانه وجفاء قلبه 
خاب وخسر
خاب وخسر
يارب الطف بنا

-------

ما بال المؤمن يتذكر ربه وقت حزنه، ويغفل عنه عند سعادته وفرحه؟
(وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ)

في الحزن تتثاقل الهموم عليك حتى لا تجد في الأرض مستقر ولا تلتمس في حياتك ضوء
تمد يدك الهزلة الضعيفة لتتمسك بطوق نجاة، فتتذكر حبل الله الذي لا ينقطع

في السعادة والنجاح تكبر نفسك في عينك حتى لا ترى سواها
تزداد فقاعة الهواء في الامتلاء، تكبر وتكبر وتغطي سماءك حتى لتحسب أنك لا تحتاجه! (سبحانه)

في الحزن تعرف حقيقة نفسك 
عبد ضعيف ذلول عاجز
في النجاح والفرح وقتما نسبت الفضل لنفسك.. هلكت
النعمة فتنة وبلاء خفي

أتعبتنا من بعدك يا أبا بكر

-------

نبتة واحدة صالحة وسط دمار الظالمين ترسم لوحة صمود وعزة
صخرة واحدة منيرة في سماء دنيانا الكاحلة تكون قمرًا
نقطة واحدة بيضاء في قلبك الخرب تشدك إلى أنوار رحمة الله
دمعة واحدة مفعمة بالإيمان تفتح لك كل الأبواب التي سُدَّت 
لحظة واحدة صادقة في أرض الجهاد تجعلك شهيدًا

غمسة واحدة في الجنة تشعرك وكأنك لم تذق ألمًا قط

هذه لتلك
ومن أدلج بلغ المنزل

-------

(امتداد لنظرية طبقتي (السطحية والعمق

لأن الحياة بها من التعقيد ما يكفي (لا أظن أني بحاجة للاستفاضة في شرح وإثبات هذه الحقيقة)
ولأن الإنسان نفسه أكثر تعقيدًا مما يتصور المرء أنه يعلمه 
يحلو لأمثالنا تبسيط وتجريد كل شيء
ويكون دومًا بداخلنا رغبة في التصنيف والوصف والحكم على الأشياء بمظاهرها 
-لا أتصور أن هذا قد يكون عيبًا لأن الأمر ليس سوى تقرير بمحدودية البشر وضعفهم-
لكن.. بينما لا نسعى سوى وراء التبسيط لأجل تعامل أكثر سهولة (وراحة) مع الحياة، نحن من خلال الحكم نجعل الأمور أكثر تعقيدًا بتداخل الأوهام مع الحقائق.

أشعر بالحزن بسبب موقف ما.. أنا حزين.. حزني متكرر.. لا أنا مكتئب.. أحتاج لعلاج.. أدخل في دوامة من الصراع مع نفسي لا حل له لأن أساسه وهم مقنع
أشعر بالحزن بسبب موقف ما.. أنا كما أنا لكني أشعر بالحزن فقط الآن بسبب هذا الموقف.. فلأصلحه.. ما عدت حزينًا.. انتهى.

قد يكون هذا المثال بسيط جدًا، لكني لا أريد منه سوى اللحظة التي يقرر فيها المرء تصنيف نفسه بأنه (حزين)
والأمر مماثل عندما تقرر وصف نفسك بأنك (ناجح/فاشل/سعيد/غاضب.. إلخ)
لأن كل هذه الأوصاف تحمل صور نمطية خلقها المجتمع وتعششت في أذهاننا، فيصبح واجب عليك (فيما تعتقده) أن تكون بشكل هذه الصورة كاملًا. 
-يعني الناجحين يكون لديهم الكثير من المتابعين (مثلًا).. عليّ أن أكون كذلك، وسأتحمل مسؤولية كل دقيقة أقول فيها أني ناجح وليس لدي متابعين بما يكفي
-المكتئب يريد الموت ويفكر أفكار انتحارية.. صنّفت نفسي أني مكتئب لسبب ما، عليّ أن أفكر بالمثل وأُري الجميع أن هذه حقيقة 

مجتمعاتنا المريضة أجبرت الجميع على التصنيف اللاواعي -للنفس وللغير- والإرادة دومًا لتسكين الناس تحت مظلات معينة 

يمكن للمرء أن يكون حزينًا وسعيدًا ومتفائلًا وغاضبًا في الوقت ذاته نعم.. هذا خلق الله!
في الموقف الواحد يكون هناك الكثير من المعطيات، ظروف شخصية وجوّية ومزاجية ونفسية وردود أفعال وذكريات من الماضي ووو.. ظلمٌ أن تحصره في (فلان شتمني لأنه يكرهني) مثلًا!

محاولة تبسيط ما هو معقد ووصف ما لا يمكن وصفه لفرط عظمته (خلق الله) يجلب التعاسة والهم الواهم 
ويكون تعطيلًا لحركة الحياة

والحقيقة هي أن الحياة ستكون أبسط بكثير عندما نتعامل معها كما هي، ونتعامل مع أنفسنا كما نحن، ونتعامل مع الناس كما هم، بتعقيداتهم وتداخل ظروفهم ومجهولهم ومعلومهم ونقصهم وعيبهم وحلوهم ومرهم
لأن هذا ما يجعل الحياة حياة
وهذا ما يجعلك أنت

تقبل الحياة والنفس والخلق كما هم عليه.. يجعل المرء أكثر نضوجًا وهدوءًا، فلا يتسرع في التصرف وتسير الأمور بأخطاء أقل.

------

الهداية نعمة
والعيش في رحاب الله جنة الدنيا
وذاك رزق كالمال والجمال والصحة 
يأتيك بالسعي
ويزيد بالشكر
ويذبل مع قلة الزاد

نقرأ سورة الفاتحة ١٧ مرة على الأقل يوميًا وندعو "اهدنا الصراط المستقيم"
ليعلمنا الله أنك لن تحصل على الهداية إلا بكثرة الإلحاح
وأن فرص ذلك متساوية بين خلقه أجمعين
ورغم أهمية روح التحدي
إلا أن هذا الأمر تحديدًا يشق عليك إن حاولت مد عينك لرزق غيرك
فكما لا يكون فلان أغنى من فلان لأنه أحب إلى الله من فلان؛
لا يكون فلان أقرب إلى الله من فلان لأنه يستحق أكثر منه
فقط مرزق
(صراط الذين (أنعمت عليهم
ولنا في رسول الله أسوة
غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولكنه كان صلى الله عليه وسلم يستغفر في اليوم أكثر من سبعين مرة
لو كان يريدنا أن نظن أن مغفرة الله له نتيحة لنبوته ربما أو استحقاقه لتوقف عن الاستغفار يوم ضمنها

كل امرئ يعيش في دنيا متفردة تمامًا
له قدراته وظروفه وابتلاءاته وتحدياته وفرصه وطريقه
لا يمكن المقارنة في المطلق، ويستحيل المقارنة في أمر قلبي تحديدًا وما يتعلق بالقرب من الله
وعندما يكون الأمر محض فضل من الله وتوفيق.. تكون المقارنة عبثية تمامًا ولا معنى لها

يا لسعدنا بالتائبين، فبهم يتجدد الأمل
وإني لأرى الله في فتوح بعد لحظة صدق واحدة
هو الكريم
الواسع
الغني
الغفور
ذو الفضل العظيم
سمّى سبحانه نفسه بما يحب
فاللهم ارزقنا من فضلك العظيم

-------

برتقالي اللون، هل البرتقالي اسمه برتقالي على اسم الفاكهة أم أن الفاكهة اسمها برتقال لأن لونها برتقالي؟ هه ما هذا أنا أحاول كتابة نص حزين. لنبدأ مجددًا، برتقالي اللون، مبتسم دائمًا، يراه من يضعني في مكانات فيصدم أني ما زلت أتمسك به، لا يدرون، لا أحد يدري، كم تحمل معي من آلام، كيف احتضنني وقتما طردني العالم من رحابه، كم دمع امتص وكيف أراح قلبي مرارًا، يحلو للجميع أن يتسابقوا بالحكم على الأشياء، كما يحلو للحياة أن تقسى علينا ونحن ما زلنا شباب، ويحلو للحكومات أن تجعلنا جميعًا كفارًا، مثلهم. 

الحزن حق، لكن جلبه للنفس وللناس جريمة لا تغتفر، ردد وراءي: الإنسان بناء الله لعن الله من هدمه، الإنسان بناء الله لعن الله من هدمه، الإنسان بناء الله لعن الله من هدمه. وددت لو كان عندي عصا أمبردج السحرية لأحفرها في كفك، لكنك لن تعي حتى بعد ذلك أتدري لم؟ لأنك مغفل وغبي، والحزن دائمًا جذاب.

دعك من هذا، برتقالي اللون، كلون سماء البحر وقت الغروب، كلون السماء وقت الغروب، تذكرت البحر لأن آلامها تتردد في ذهني، لو كان البحر مدادًا لندوب العالمين لنفد البحر قبل أن ينفد الدمع اللازم للبكاء عليه، قاسية هي الحياة على القلوب اللينة لأن المتضادين لا ينفصلان، لهذا أحتفظ بالبرتقاليّ ليحتضنني كل ليلة حين لا أجد ملاذًا في وسع العالم. بينما يتوسع العالم يضيق صدري، بينما يكبر ويفتح لي أبوابًا ومدارك يدوس على سعة قلبي فأهوى، أو يلحقني البرتقالي، فأتجمد.
أنا أعلم ونحن جميعًا نعلم، أن رحاب الله أوسع من كل شيء، وأن ما عنده خير وأبقى، أبقى، لا ينتهي، أتسمع يا قلبي الحزين؟ دقائق السعادة المعدودة في الدنيا لا يعوّل عليها، ما عند الله خير وأبقى.

ذكر الموت لا يزعجني البتة، إلا عندما نطَقت به.
ترى، هل للموت لون؟ هل سيكون للحياة لون في غيابك؟ هل سيبقى البرتقالي برتقالي بروحه التي لا تمل العطاء؟ أم سيبهت لونه كما ستبهت روحي مع تجربة ألوان الحزن التي لا تنتهي؟ هل هذه هي الحياة؟
ضحكوا علينا.

-------

بحب الالتفات للمعاني وراء التراكيب اللغوية تحديدًا في تفسير القرآن
في سورة العصر أغلب المفسرين بيركزوا على الحكم المطلق (إن الإنسان لفي خسر)
ثم الاستثناء فيها (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)
((الإنسان)) أي إنسان وكل إنسان، ذكر أو أنثى، صغير أو عجوز
كل الناس.. في خسارة
بعدين الاستثناء بييجي علشان نحوله لتطبيق عملي ننفذه في دنيانا لننجو به في آخرتنا
آمنوا.. عملوا الصالحات.. تواصوا بالحق وتواصوا بالصبر

في سورة الشعراء سيدنا إبراهيم في دعاءه بيلفت انتباهنا لاستثناء تاني مهم جدًا 
(ولا تخزني يوم يبعثون 
يوم لا ينفع مال ولا بنون)
(إلا من أتى الله بقلب سليم)
مفيش أي أي حاجة هتنفعنا يوم القيامة.. إلا القلب السليم
رشاقة الدعاء وذكر الاستثناء دة في الآخر ودون التوقف عنده في الآيات بيحسسنا ان الموضوع بسيط، وهو فعلًا بسيط لو أدركنا الموازين بحجمها الحقيقي واتعاملنا في الدنيا على الأساس دة

القلب السليم هو الأولوية القصوى، بالتالي القلب هو أغلى ما نملك، وهبقى مستعد أعمل أي حاجة يتطلبه محاولة الحفاظ عليه
ويكون سؤال مقترن بسؤال (هل الحاجة دي بترضي ربنا ولا لأ) سؤال (هل الحاجة دي هتحفظ سلامة قلبي ولا لأ)
ساعتها كل الاعتبارات التانية هتكون هامشية جدًا قصاد السؤالين دول، إحراج؟ كرامة؟ ضيق؟ هوى نفس؟ كل دة مش مهم..

وإنما؛ هل هيكون حاجة كويسة لقلبي لو كنت متضايق من حد وقررت اني أكتم في نفسي علشان مضايقوش بس أفضل شايله؟ هل هيكون حاجة كويسة لقلبي اني اكون متضايق من حد وآخذ قرار بالكره لأنه يستحق دة؟ هل هيكون حاجة كويسة لقلبي اني اعرف ان حد متضايق مني ومعتذرش علشان شايف اني مش غلطان؟ هل هيكون حاجة كويسة لقلبي اني اكون مزيف وأبين للناس صورة معينة عن نفسي علشان يقبلوني وسطهم؟
لحظة شفافية وصدق مع النفس هتعرفنا إجابة السؤال دة في كل موقف بنمر بيه، والإنسان على نفسه بصيرة

المشكلة لما الإنسان بيعتمد على عقله ويحسب تصرفاته بالمكاسب والخسائر، ويقرر حساب حاجة بقدر (سلامة القلب) -وهو نجاتنا الوحيد في الآخرة- زي ما بيحسب باقي الاعتبارات.. بيهلك 
لو حبينا نفكر بشكل براجماتي اصلا، هيكون النجاة في الآخرة (الأبدية) في كفة تطغى على اعتبارات الدنيا كلها مجتمعة

وفي النهاية
ومن يرغب عن ملة إبراهيم
إلا من سفه نفسه

------

August 14
We haven’t forgotten to remember. The scar just keeps getting wider and deeper with each day we become further away from bringing killers to justice. 

The fascinating thing about life is that time doesn’t stop, the earth won’t stop revolving around the sun and you can’t take your breath away when your loved ones are gone. A day when Asmaa is killed should be the last day in the world, a day when Habiba is killed, Amo Abdelnasser, Ahmed Sonbol, Hassan Al-Banna, and the list goes on.. the world just has to end. 
But it doesn’t. We’re still alive, able to forgive and to love, we’re still able to struggle through the pain and do some accomplishments, thinking that maybe, just maybe, we’d be on the same path they generously poured their blood to pave. 

Isn’t this the essence of the greatness of God’s creation?

We haven’t forgotten, Rabaa, and we’ll never forgive.

-----

ارتباطي بالأشياء - العلاقات - المناسبات - الذكريات - الأماكن بيكون أقوى وأعمق جدًا لما أربطهم بمعاني وقيم، لأن دة بيخرّج العلاقة الارتباطية من كونها شيء لنفسي (نفسي اللي غالبًا مش بكون متحكمة فيها) لشيء أسمى من كدة واختياري محض
بحس دة بيعزز من الإنسانية والعظمة اللي ربنا أوجدها في خلقه، اننا نبقى عايشين في الدنيا كبشر طبيعين بنتعلق ونحتك بحاجات وناس ومواقف بس بنرتبط وجوديًا بالقيم اللي احنا مختارينها ومؤمنين بيها
لذلك مش بعرف أنتمي لمصر اوي، لأني مشفتش فيها قيم متجسدة كل اللي شفته ظلم وقهر، ودة فطرتي رافضة الارتباط بيه
عادة الأشخاص اللي مش بخوض معاهم على الأقل حوار واحد عميق (نقاش عن قيمنا في الحياة مثلًا أو خواطر في ذلك الصدد) مش بعرف ارتبط بيهم اوي
المناسبات اللي ببقى عايزة احتفظ بيها في وجداني بحب أربطها بقيمة ما كل ما أفتكر القيمة وأنا بسعى إنها تتجسد في حياتي هفتكر المناسبة دي
ارتباطي بالأمة يمكن أوسع دائرة لأن الشيء الجامع هو الإسلام اللي هو أصل كل القيم بالنسبالي

بقول الكلام دة و مقطع من كلام مصطفى إبراهيم بصوت دينا الوديدي بيتردد في ذهني "أدين بدين الجدعنة وبدين رفاق الدرب، وبقولة احنا مش أنا في المعمعة والضرب"
أصدقائي اللي عرفتهم وقت الثورة والفترة اللي بعدها، أو اللي كنت أعرفهم من قبل وحضرت معاهم الأحداث كلها، أو اللي اتعرفت عليهم علشان أفكارنا في الموضوع دة واحد
مرتبطين عندي بقيم كتييييير جدًا
أظن إن مفيش أي حاجة في الدنيا، أقصد حاجة دنيوية أو نفسية أو شخصية (أضعف وأقل منزلة من القيم) هتقدر تقلل من معزتهم عندي وتقديري ليهم مهما زادت السنين


------

أمنيات منتصف الليل

أمنيتي؛ إن مهما زاد تعاملي مع البشر، أفضل مقتنعة إن التريقة والاستهزاء بالأشخاص شيء مقيت حتى لو بيخلينا نضحك ونتبسط، لأن فيه حد بيطلع مش مبسوط وعنده تشوهات نفسية مهما بين رضاه وانبساطه 

أفضل مقتنعة إن التحوير على الناس أو تخبية جزء من الحقيقة علشان أخلي اللي قدامي يعمل حاجة أنا عايزاها شيء غلط غلط غلط، الصدق دايمًا منجاة

أفضل مقتنعة إن كل إنسان حر ومن حقه يفكر ويتكلم ويعبر، حتى لو هيختلف معايا اختلاف جذري أو ينتقدني في جذوري

أفضل مقتنعة إن الكره مؤذي، والتغافل وحسن الظن والنسيان مفاتيح راحة البال

أمنيتي إني أكون دايمًا بحاسب نفسي ومركزة مع ربنا عايز مني أتصرف ازاي لو حد غلط فيا أكتر من تركيزي في إن اللي قدامي غلط وعمل حاجة وحشة في حقي

أنا مؤمنة إن التعامل مع البشر بدون تركيز ووعي بيجيب أمراض نفسية، لكن هو شر لا بد منه
فيارب احفظ علينا ديننا وعقولنا وقلوبنا وعافينا واعف عنا
-
ضياع المقصد يعني ضياع الروح فضياع العمل وضياع الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين.

الإنسان بفطرته يضيع بدون إله يعبده، يختل توازنه، وحين يختل توازنه يختل نظامه الشعوري والعقلي فيختل تصرفه.
كنت أقول لمن قصرت في حقه كثيرًا أن يعلم ذلك جيدًا، حين أقصر في حقه هذا يعني أني مقصرة في حق ربي، فبدلًا من اللوم يا صديق عليك بالدعاء لي أن يردني إليه، فأستعيد توازني فأعود وأعطي كل ذي حق حقه.

كل إناء ينضح بما فيه، وكل مقصد يدل على قلب صاحبه، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو سيط يدركه فليراجع قلبه قبل أن يجدد نواياه.
من كان قلبه معلق بربه لن يستريح حتى يعدل نيته من تلقاء نفسه ليصيب المقصد الملائم لماهيته.

وعلى الله قصد السبيل

------

وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ
وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا 

مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا 

وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ 
وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا 
[الكهف 49]

قال: آنت وحشي؟ قلت: نعم، قال: أنت قتلت حمزة؟ قلت: قد كان من الأمر ما بلغك، قال: فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني؟

بين الأولى والثانية مفارقة
رب العزة لا ينسى، كتابه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، ما تسقط من ورقة إلا يعلمها
لكنه العفو الغفور
إذا أراد سبحانه أن يجعل ماضيك كله وكأنه لم يكن لفعل
ونحن مؤمنون بذلك متعلقون بأمل أن يتغدمنا في رحمته التي وسعت كل شيء

أما الثانية، حاولت هذه المرة أن أضع نفسي مكان سيدنا الوحشي، رسول الله لا يريد أن يراه؟ أي ألم قد سببه؟ قتل عمه صلى الله عليه وسلم -في نفسه البشرية الإنسانية- أحدثت ثقلًا في قلبه لا يمحوه دخول قاتله في الإسلام، وهو صلى الله عليه وسلم بعث ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، هذه رسالته، هذا مصدر فرحه، لكن يا وحشي إن استطعت ألا تريني وجهك فافعل!

ألمك يزيد الضعف إذ تمشي وسط الناس وأنت تعلم أنهم لم ينسوا لك خطأك
وقد عايشنا ذلك هذه الأيام بمقتل الكثير من أحبابنا وأصحاب الفضل علينا، لا ننسى لمن قتل وأيد وحتى من سكت
وإن تاب وندم؟
فالله يتولى القلوب

أما ما دون ذلك من حقوق العباد فالعفو والنسيان أولى وأوجب، لا أحب لنفسي أن أكون مكان وحشي، فلا أفعل ذلك لغيري

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث ضعيف السند: 
رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة، فقال أحدهما: يارب خذ لي مظلمتي من أخي، فقال الله تبارك وتعالى للطالب: فكيف تصنع بأخيك ولم يبق من حسناته شيء؟ قال: يارب فليحمل من أوزاري
وفاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء، ثم قال: إن ذاك اليوم عظيم، يحتاج الناس أن يحمل عنهم من أوزارهم،
فقال الله تعالى للطالب: أرفع بصرك فانظر في الجنان، فرفع رأسه، فقال: يارب أرى مدائن من ذهب، وقصورًا من ذهب، مكللة باللؤلؤ، لأي نبي هذا؟ أو لأي صدّيق هذا؟ أو لأي شهيد هذا؟
قال: هذا لمن أعطى الثمن، قال: يارب ومن يملك ذلك؟ قال: أنت تملكه، قال: بماذا؟ قال: بعفوك عن أخيك، قال: يارب فإني قد عفوت عنه، قال الله عز وجل: فخذ بيد أخيك فأدخله الجنة

آمنت بالله

-------

ربما لا نعرف كيف السبيل وأي خطوة نخطو
لكننا نعرف يقينًا كل ما يجب هجره.. سلطان ظالم كاذب منافق، وجميع سبل إراضائه.. 
لذلك من أغضبه وأفسد نومه كان صديقي ومعلمي

يظن القاتل أنه بقتلهم يئد فكرة، بسجنهم يحبس نهجًا..
لكننا تائهون.. نصنع البوصلة أصلًا من طيب دمائهم، ونرسم المنهج من سيرهم التي تخطوها دموع تلاميذهم حتى صارت حبرًا ينفد البحر قبل نفاده.
فبدلًا من واحدٍ صرنا ألفًا، ويا لتعاسته يوم نقتص جميعًا منه، مهتدين بنهج من قتلوه وما كنا لنصل إليه لولا سطوع نوره من داخل قبره.

أرى لطف الله في: نور سيرة أوضح معالم الطريق وسط الحزن الدفين لاكتشاف الشهداء بعدما يرحلون
ولله في أقداره حكم.

-------

العاشرة صباحًا

منذ اليوم الأول وكل شيء حولي يردد "الإنسان كائن عقلاني منطقي"، وأنه يجب أن نضع ذلك في الحسبان، وأن عقل كل إنسان يختلف عن الآخر لذلك لا يمكن معاملة ظواهرهم كالظواهر الطبيعية ودراستها بشكل علمي بلا بلا بلا... إلخ

كنت منهكة جدًا، بداية يوم "مه"، هل يجب علي أن أنزل للشارع وأختلط بالناس؟ جلست في المقعد الملاصق للشباك في الصف الثالث في سيارة الميكروباص، مكان مثالي حتى أستطيع أن أشرد مع أفكاري والهواء، وبالطبع كي لا أكون مسؤولة عن (لم الأجرة). قلت لكم أنه يوم "مه" بجدارة، لم أجد (فكة)، أخرجت ورقة خمسين ولم يرد أن يأخذها أحد، أعطوني أموالهم و(فكتهم) وصرت أنتظر الباقين لأوصل الحساب. لم أكن أنتظرهم بالفعل، لم أكن مهتمة حقيقة، نظرت للشباك وتطاير الورقة النقدية في يدي وتمنيت لو أرحت قبضة أصابعي -كما يفعل قلبي لأحزاني- وأترك الورقة لتطير من الشباك، الإنسان كائن عقلاني ها؟ مساكين دارسوه.
نلتزم ببعض القوانين غير المنطوقة دون أن نشعر، لو كان الأمر أمري لتركت الورقة تطير لأني أريد رؤية الورقة تطير، لأضحك على ردود أفعال الناس ربما في يومي الممل هذا، أتخيلهم يصدمون ويقولون ما هذه المجنونة؟ ثم يطلب مني السائق أن أدفع فأقول له هذا كان كل ما أملك، فيتسارع أبناء بلدي بالتصدق علي ربما؟ ههه، أنا لست مجنونة، فعلت ذلك بإرادتي المحضة، كيف سيدرسونني الآن؟

لو كان الأمر أمري لأخبرت جميع من أكرههم أنهم حمقى وأغبياء، هكذا لن أكرههم وسأكون سعيدة، لكني الآن لا أشتم فأبدل ذلك بحفظ ضيقي منهم في قلبي.
لو كان الأمر أمري لمشيت للبيت مشيًا، سيأخذ الطريق ساعات وساعات وسوف اتأخر عن مواعيد وأغيب عن أخر، لكن لا يهم، لا أهتم.
لو كان الأمر أمري لذهبت لسجن وادي النطرون، ودخلت رغمًا عن الظباط، سيضربونني؟ أكمل السير. بطاقتك يا آنسة، لا أرد، أكمل سيري وربما أدفع أحدهم أو أقفز فوق سور أو اثنين، حتى أصل لمكان وأجلس بجانب شيخي لساعات ولو قرروا حبسي معه.
لو كان الأمر أمري لوصلت كل من أحب، ثم أذهب إليه، وأحدق في وجهه الجميل دون أن أنطق كلمة واحدة، سيفزع ربما ويتركني ويرحل، ههه ما هذا سأنتهي لنفس حالي الآن، ما زال بي بعض الواقعية بعد.

في الأيام الخوالي كنت أقضي ساعات وساعات لا أفعل شيء إلا أن أتخيل، خلقت عالمًا موازيًا كليًّا، وكنت أهرب إليه لأحظى ببعض الوقت السعيد.
لو كان الأمر أمري لعشت في ذلك العالم أبدًا، لو كان الأمر أمري لكنت أخبرتكم بما يوجد هناك، ربما يشاركني أحد.. لكن يستحيل على الإنسان أن يحكم على إنسان آخر دون تحيزاته وأفكاره الخاصة به، هو من نفس طبيعته، وعدسة العين خلقت خصيصًا لتتفق مع شخصك لا مع أشخاص الآخرين.

لا بأس.

ربما من حين لآخر يجب علينا أن نكسر ذلك القانون الذي يحصرنا في ما يمكن دراسته، حتى نكسر القانون، وحتى لا يستطيع أحد أن يدرسنا ويفهمنا، فقط من أجل هذا، الفهم نظام، واللامنطق جنون، لكن يكفي ملل ولنستمتع.

------

في مناسبة ما منذ مدة، وجدتني أبحث في المعجم عن معنى كلمة "العقل" في اللغة. 
وجدت من المعاني الكثير مما نتداوله ونعرفه؛ الفهم، والإدراك، والربط (اعقلها -الناقة- وتوكل). لكن استوقفني معنى منهم وجعلني أتساءل عن دور عقل الإنسان الذي ميز الله به آدم وأبنائه.
من معاني كلمة "العقل"=المنع أو الحبس.
فبجانب فهمك لحقيقة الأشياء وإدراكها وربط الأحداث ببعضها للوصول للحكمة من الأمور، تكون قادرًا على التمييز بين الحق والباطل فتمنع الباطل عن الاتسحواذ على فهمك.
نقول: العقل الذي لا "يعقلك" عن الباطل ليس عقلًا.

يمكننا هنا العودة إلى أصل الأشياء ومقاصدها
الإنسان مكلف ببعض الأمور وسوف يحاسب في الآخرة على عمله وقوله
الإنسان حر الإرادة وله أن يتصرف في أموره كيف يشاء، وبناء على تصرفه يحاسب
وهب الله الإنسان العقل ليساعده على توظيف إرادته لتكون متوافقة مع إرادة الله، رزقه القدرة على الإعمال والتدبر والتفكر للوصول للحقائق والاجتهاد في فهم الشرائع والأحكام لتطبيقها والتصرف على أساسها
كما ذكرنا سابقًا أن من وظائف العقل التفريق بين الحق والباطل، فتستطيع الحكم على أهوائك وقناعاتك في المقام الأول؛ وتترك ما يخالف شرعه وتبقي على ما يتم الحث عليه،
وفي المقام الثاني؛ تستطيع الحكم على الواقع من حولك فتأخذ منه ما يوافق وتترك ما يخالف. (وتغير فيهم)

يصعب علي بعد ذلك تصور -على سبيل المثال- عاقل يدعي إعمال عقله ثم يصل في النهاية إلى الإلحاد
لا بد أن هناك خطأ ما
عملية التفكير العقلانية إن لم توصلك في النهاية للتفريق الواضح بين الحق (الذي هو واحد) والباطل، نقول بالضرورة أنها عملية ليست عقلانية بحتة، وربما دخل فيها بعض الأهواء الشخصية أو الأهداف الأخرى

سألت أستاذي في مرة، وكيف أصل لذلك الحق الواحد إن كنت أقترب منه في الأصل بأهوائي ومعتقداتي وثقافتي التي تقول لي أن هذا أقرب للحق وهذا أقرب للباطل؟

قال لي أن الباحث (أو المفكر) الحقيقي الصادق هو الذي يعمل عقله في نفسه قبل إعماله في ما هو حوله، ويستطيع بكل شجاعة أن يقول أنه كان على باطل فيتركه لحظة إدراكه الحق.

ثم أسهب في الحديث وقال: علم الطب الذي لا يشخص السرطان على أنه مرض خطير، ليس علمًا
وعلم السياسة الذي لا يقول على النظام السلطوي أنه نظام سلطوي، ليس علمًا

فوجدت السر في كلمته "الباحث الحقيقي الصادق"
كتب الله على صادق العزم أن يصل
أما من يفكر و "يعمل عقله" من أجل أن يقال عنه مثقف أو قارئ أو ليكون وسط جمع حولهم الأنوار والأنظار أو لمصالح مع السلطة أو أو.. لا يؤرقه ليله أصلا ويطمئن لما يعتقد (حتى وإن عقل بطلانه) فلا يتطور ولا يرجى منه أي خير.
لا جعلنا الله منهم.

------

"لا تتحدث مع الغرباء"؛ من أشهر الوصايا التي ترددها الجدّات والأمهات وقصص الأطفال المليئة بالعبر، وذلك من دافع الخوف ممن لا نثق فيهم أن يؤذونا أو يصيبونا بمكروه..
وكأن هذا لا يصير من المقربين وممن نثق فيهم..

تأملت لحظات ضعفي الكثيرة هذا العام ومكاني الجسدي وقت حدوثهم، إما تاكسي يقوده شاب لا أعرفه، أو حافلة نقل عامة بها الكثير من بسطاء الشعب والطبقة الشعبية التي تخيفني هيئتهم وقولهم وفعلهم، أو حافلة نقل عامة لكن أرقى قليلًا بها الكثير من الصخب وحديث دافئ لا يخصني، أو مسجد مهجور على حافة الطريق به بعض السيدات العجائز، أو غرفة نومي.

أمام الغرباء، كان يكويني عدم اكتراثهم لتلك التي تعاني للتمسك بزمام الأمور، عدم انقطاع حديثهم لحظة حتى للتعاطف، لكني كنت أشعر بالأمان لأنه رغم احتياجي للمناديل الورقية؛ أعرف أني لن أعاني فيما بعد من خذلان أو عدم فهم أو استخفاف بما أشعر أو إطلاق أحكام وتصورات عن حقيقتي، لن أراهم مجددًا وكأنه لم يحدث شيء، هذا أمان كبير أحيانًا لا يمنحني إياه المقربون.

في غرفة نومي، ضممت جسدي ووددت لو أدخلت يدي في قفصي الصدري لأربت على قلبي الحزين وأحتضنه.. امتننت لأني تماسكت كل هذا الوقت، ولأني فهمت ما أمر به ولم أسمح للحزن أن يتملك مني ويعيق حياتي، قلت شكرًا وأرحت رأسي على ركبتاي وتشكلت ابتسامة هادئة وسط الدموع التي لم تتوقف.

في بيت الله، أقرأ فاتحة الكتاب وأنطق لفظ الحمد فتنهمر الدموع لأني أعرف أن لدي الكثير لأحمد الله عليه، الضراء قبل السراء، أتذكر أن الله يرد علي "حمدني عبدي" في وقت هو يعرف سبحانه ما يقع على عاتقي وما يدور في عقلي لكنه يرى مني الحمد، فأبكي. 
وحده يعلم، وحده يفهم، وحده القادر الجبار المنتقم، وحده القوي، وحده الوكيل وحسبي إياه، فأطمئن وتنهمر الدموع في سكينة بعد أن عرفت وآمنت بمن في جواري.
الله جار الورى من شر أنفسهم..
وشر من حولهم
الوحدة ملاذ آمن.

------

في ليالي الفاينل الباردة -جسديًا ومعنويًا-، أجد السيد أفلاطون يقول أن الجمال يكمن في الفضائل، وقد أدرك ذلك يعقوب عليه السلام وهو يقول "فصبر *جميل* والله المستعان على ما تصفون"

ويتساءل قلبي الذي يملؤه الحنين؛ متى يكون الصبر جميلًا؟ 
وعند أي حد من الصبرِ يجمّلني الصبرُ؟ 
قد تعبت، فهل سيحبني الله آنذلك؟ 
لصبري أم للجمال الذي منحني إياه الصبر؟

----


Rahma Fateen

هل الحماسة سذاجة؟



هل الحماسة، سذاجة؟

طرحت عليها هذا السؤال بعشوائية شديدة حين جلسنا ذات مساء في مطعمٍ ملكُ طباخٍ له أربع زوجات تُدِرن الأعمال كاملة وأولادهن دون مساعدات خارجية، لابد أنها أعتادت على أسئلتي منزوعة السياق التي لا أهدأ في ترديدها حتى أحصل على إجابة شافية مرضية، ثم لا أنساها مطلقًا بعد ذلك، عملية البحث تأخذ من روحي، وعزائي الوحيد في أجزائها التي تضيع في التنقيب عن المعاني من كل تجربة هو أني لن أنسى، وذلك يكفي على ما أظن، لأني سأشيخ يومًا ما وأحكي ما تعلمت لأحفادي ولن يعيروا حِكَمي الاهتمام نفسه إلا حين يصلون للمعاني بأنفسهم ويقولون "تيتا رحمة قالت!"، لكنها في النهاية حياة واحدة، بضاعتنا فيها الإيمان، ولكل تجاربه، والمسافر لا يعتبر ما ينفق في رحلته خسارة، طالما كانت وجهته صحيحة، وزاده متجدد.

سمعت الشيخ يقول اليوم أن التجارب تُري الإنسان من الدنيا بعدًا آخر، فيفقد الحماس تدريجيًا لأنه فهم، خيبات الأمل حتمية، الفشل لابد منه، فقدان الأحبة قانون، وكذا الاغتراب والحزن والوحدة والكبد. فرحت قليلًا؟ غدًا تحزن. اتسع قلبك للحب وعشته؟ سيكسر قلبك. خسرت مالًا؟ يرزقك الله غيره. لا شيء يدوم، والحماس يبدو ساذجًا جدًا في هذا الحال.

الحماس كحالة شعورية يكون شرارة مؤقتة نابعة من أمل بأنها هذه المرة ستصيب، هذه المرة سأكون سعيدًا حقًا، هذه الفكرة ستحل مشاكل الشباب جميعهم، هذا المشروع سيملأ شغفي ويضيف شيئًا للبشرية، هذا الرجل مختلف، هذا الحب صادق، حظي في صفي الليلة.. إلخ، لكن كل هذا زيف زيف زيف، لا شيء يدوم، لا شيء كامل، هي حقائق كونية لا تتبدل، تريث في شعورك ولا تتحمس، الحماس ساذج جدًا.

هذا ليس تشاؤمًا، ولكن واقعية، أو لا، دعني لا أستخدم تلك الألفاظ المصنفة الحاكمة، هو فقط فهم لحقيقة الدنيا، دوام الحال من المحال، أحبب حبيبك هونًا ما عسى أن يكون بغيضك يومًا ما، لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم..

استمع للعجائز حتى لا يكتب عليك العَجَز وأنت في ريعان شبابك، فلا يفهمك الشباب وأنت منهم.. طالما أنك طلبت الوصول بصدق، الفهم حمل ومقصد وأداة، والحكمة ضالة المؤمن

أما عني، صرت عجوزًا لا يفهم الشباب ولا يفهمونه، أحلام عقله أكبر من مقدرته، والحياة تفقد معناها مع الوقت فأتمنى كذلك أن يكون الوقت الباقي قليل، وأن أعيش حياة عريضة عريضة، أتعلم فلا أجوع، أبُصر فلا أملّ، أتأمل فلا أشعر بوحشة قط.

Rahma Fateen