Pages

Monday, March 23, 2015

أنت من تملّ

كثيرٌ منّا يعرف أين يجد الله، يعرف كل ما يستلزمه ليسير في الطريق، ولكنه لا يبرَح، لا يتحرّك ولا يقدم نحوه. ينتظر.
بالرغم من أننا إن نظرنا حولنا فسنجد الله قد مدّ يده إلينا، راغباً في هدايتنا لا نحن راغبين في عفوه وكرمه، ينتظر منا ولو حسنة فيضاعفها لنا عشراً، استغفاراً فيمحو به خطايانا، أي شيء لنعود إليه فيشفع لنا ويُكرم علينا، ونحن لا نتزحزح..
ألا يُسمى هذا إعراضاً؟ إعراض عن حديث المولى القدسيّ "من تقرب إلىّ شبراً تقربت إليه ذراعاً.." ضياع فرصة هائلة أوجدت نفسها أمامنا دون أي مشقة أو هزّة رأس منا.
تستيقظ صباحاً فتسمع في الراديو الذي يبقيه جارك موقداً "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" فلا تأبه ولا تعطي اهتماماً، وتُكمِل يومك وكأن شيئاً لم يكن؟
ألم تسمع قول الله تعالى "وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ"
"قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا"
"قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَىٰ"
جاءتك آيات الله، عون الله، رحمة الله، عفو الله وغفرانه في الدنيا دون شقاء منك، غرّك كل هذا! ولم تكترث.
يقول أحد الصحابة أنه عندما نزلت الآية: "يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ" على الرسول صلى الله عليه وسلم قال: جهلُه.
انظر حولك فلقد سخّر الله لك الكون كله ليهديك إليه، جعل لك عيناً تُبصر بها وترى، فتكون حُجّةً عليك يوم تلقاه، يوم لا تجد عذراً، حين يسألك الله وأنت واقف أمامه، ضعيف، نكرة، عارٍ تماماً ليس معك سوى أعمالك التى تُعرض عليك أمام الجموع، لا حول لك ولا قوة، يسألك الله لماذا؟ لماذا فعلت كذا وكذا؟ ترتعش أقدامك ولا تملُك جواباً. لا أدري يارب، لماذا فعلت هذا؟
"قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ"
_
قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا!! أبصر بعينيك حتى تُحشر بها.
لا يملّ الله منك، أنت من تملّ.
لم يتوقف الله عن إرسال الرسائل، أنت من لم يعُد يستمع.

Saturday, March 7, 2015

قاهر الجبال

شيء لا يختلف عليه اثنان، حقيقة اتفق عليها المُلحد والموحّد، ثابتٌ لا يتغير منذ خلق الله آدم. أعتقد أنه من أولى مخلوقات الله، لأنه الدورة الأساسية للخَلق. بعد الحياة، الموت.

هو الذي لا يُقهَر، يأتي على حين غرّة ويُفتّت الجبال. يُضعف من حَمَل الأثقال ويضعه عاجزاً أمام نفس المرآة التي كان يستعرض أمامها قواه.
أقوى مخلوق، والإنسان مجنون بالقوة. هو قضاءٌ حاكمٌ عال ولا يُعلى عليه. متى يأتي لا يعود، ومتى يؤمر بالقبض لا يبرح خالي اليدين. كالبرق يجيء ويختفي، لا يُرى ولا يُسمع، فقط يشعر به من جاء لأجله، ويعامله كما يليق به، إما يعذّبه كما يستحق ويُخرج منه ألماً قدر كل ذنب أذنبه، أو يمر ناعماً كالحرير، يدغدغ وجهه ويضع على شفتيه ابتسامة منتصر، رغم الفناء.

الشيء الوحيد الذي يعلم علم اليقين أنه ناجح في مهمته، كمهمتنا، ترك الآثار. يترك الآثار في قلب كل من يَعي، وأحياناً يوقظ غافلاً. يترك آثاراً تمتد مع امتداد الزمان، ويخلق من إثره بُعداً آخر يسيطر على الجميع ويضعهم في حالة حزن لا مفر منها. كالفارس، يشعرون به بعد فوات الأوان.

الموت ياصديقي هو ما أتحدث عنه، حيث تتجلى قدرة وعظمة وقوة الله فيه بالأخص.
اشتاق إليه اشتياقي لخالقه، اشتاق لمقابلته وفحصه عن قرب. اشتاق لدراسة تركيبه بتمعّن، حتى ولو لم أعش لأروي ما رأيت، يكفيني أن أموت وقد قابلت الموت، أعظم شيء وُجد على الإطلاق.

يكرهه الجميع، لأنه يأخذ منهم أغلى من لديهم، لكني أؤمن أن اختياره للأشخاص ليس عبثاً، ووَضع المرء في حالة الفقد، وراءه حِكم يجب عليه أن يبحث عنها حوله جيداً، حتى لا يدع الموت يؤثر عليه سلباً، وهو عكس ما يجب أن يحدث.

أنا لست كئيبة، ولست أهاب الموت. أنا أحب الموت.