Pages

Tuesday, June 6, 2017

ليلة المجزرة وشيرلوك هولمز

الموسم الثاني للمسلسل البريطاني "شيرلوك هولمز"، الحلقة الثانية (The Hounds of Baskerville) 

كان الوقت بعد منتصف الليل، جميع من في البيت نائمون، بيت ذو سبعة أولاد نائمون يعني هدوء قاتل غير معتاد، ظلام حالك. أخيرًا قد وجَدت الوقت وحيدًة في البيت لتشاهد الحلقة منفردًة. كان صيف مليئ بالأحداث، وقد تعبت حقًا وأُرهقت فأعطت نفسها أجازة صغيرة بعد العيد وقررت الجلوس في البيت أو مواصلة حياتها الاجتماعية مع من انقطعت عنهم بسبب انشغالها

لا تحب أفلام الرعب ولا تشاهدها، لكنها كانت تريد إنهاء المسلسل والحلقات التي تراكمت عليها. مشهد: في غابة نائية، استُدعى المحقق من قبل رجل لم يستطع تجاوز مقتل والده منذ أعوام، قتله وحش أو ذئب أو كائن مخيف، لم يكن أحد يعرف. وكعادة كل مشاهد الرعب، كان المناخ ليلًا غامضاً مخيفًا، موسيقى تصويرية في الخلف، الترقب والقلق، البكاء عندما يحكي الرجل عن الحادثة، ومشاعر يتم استحضارها كأنك تعيش معهم والدور القادم عليك للقتل فتريد الاختباء من ذلك الوحش بأي طريقة ممكنة!

لم تستطع النوم ليلتها، صداع رهيب واستحضار للمشاهد كلما أغمضت عينيها. كانت تنوي إنهاء أجازتها صباحًا والنزول مع والديها لكنها لم تنم إلا بعد الفجر آملةً أن يوقظوها لتذهب معهم.

-

الساعة السادسة صباحًا بدأ الضرب. لم يكن الهجوم تدريجيًا حتى ليساعدهم على الاستعداد والتقرب، بل حدث كل شيء بسرعة، بسرعة شديدة مخيفة. الصفوف الأمامية تتقلص ويأتي الرجال خلف الرجال، يقعون مصابين ويأتي من بالخلف يجرونهم للمستشفى الميداني ويبادل مكانهم رجال آخرون. المستشفى اكتظت بالجرحي والقتلي ولم يعد هناك متسع. الغاز يملأ الهواء حتى أنه لم يعد هناك مكانًا فارغًا للأكسوجين للتنفس. الخيام تحترق وتعلو صرخات المعتصمين، هل هذه أرض حرب؟

-

استيقظت بعد الظهر والألم في رأسها أقل قليلًا، تنظر إلى الساعة وتتعجب لِم لَم يوقظها أهلها للنزول؟ هناك أمر مريب. أخذت السلالم للطابق السفلي وسمعت أختها تحادث أحدهم في الهاتف وتقول "ماما وبابا ورحمة نزلوا ومعرفش عنهم حاجة"، ما الذي يحدث؟ تسرع وتقول لها ها أنا أمامك، *تنهيدة فرج* "أين كنتي؟ الحمدلله أنك بأمان، لا يمكنني الوصول لوالدينا" تذهب لغرفة المعيشة وترى التلفاز موقد على مشاهد غريبة، سارينة شرطة وحرائق وغاز في كل مكان، الموقع يشبه ميدان رابعة العدوية.. ماذا؟؟!!!!!!!!!!!!

-

شاب فلسطيني يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، والده قتل في أحد الحروب وأخوه الصغير أسير عند الصهاينة، تركهم وترك عائلته ليكمل دراسته في أمريكا وتزوج. ما زال في بداية مسيرته في الدراسات العليا، رسم هو وزوجته خطة لحياتهما مع طفلتهما التى تحملها في الشهر الثالث، وأسفارهم حول العالم حتى يُفتح الطريق للعودة للبلاد، هناك سيعود وينفذ كل أفكاره لمحاربة المحتل، علمه الذي تعلمه كل هذه السنين سيفعّله في البلد الوحيد الذي يحتاجه أكثر من أي مكان آخر في العالم

فجأة قُصفت مدينته، ومات عمه الأقرب إليه. لم يكن قادر على التفكير بعقلانية وقرر ترك كل شيئ والمجازفة في الحدود ليبقى مع أولاد عمه ويرعاهم. ليلتها بدأ الرحلة، وقرر داخل نفسهوهو الذي عاش كل الحروب عن كثب- أنه لا يستطيع المكوث في بلاد النعيم بينما يتألم أهله، لا يمكنه أن يكون فقط مشاهد. ترك زوجته وجنينها، ترك عمله ودراسته التي قاربت على الانتهاء، مزق أوراق أحلامه وقرر العودة. لن يفعل بي العدو هذا..

-

صلح الحديبية في العام السادس من الهجرة، المسلمون قد أعدوا عدتهم لأداء العمرة، سار النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ألف وأربع مائة من المهاجرين والأنصار، بملابس الإحرام وليس في نيتهم الحرب. بعثوا عثمان ابن عفان لقريش ليأكدوا موقفهم وقوبلوا باحتجازه. غضب المسلمون وبايعهم الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم لن يفروا بعدما أشيع أن عثمان قد قتل (بيعة الرضوان). وانتهى الأمر إلى صلح مع قريش ينص فيه أن يعود المسلمون هذا العام ويعتمروا العام المقبل. صعق المسلمون وأصابهم همّ وغمّ، وتساءل عمر بن الخطاب "ألسنا على حق وهم على باطل؟ أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ فلم نعطي الدنية في ديننا؟" لكن كان للرسول صلى الله عليه وسلم بُعد نظر ثبت صوابه وحكمته فيما بعد.

-

2017: أربع سنوات بعد المجزرة

وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ (92)

كأن أعمال العباد عرضت تلك الليلة، ورأى الله فيمن رأى خيرًا، فاصطفى منهم شهداء، ورأى إحداهن تتقلب في فراشها، لا يشغلها قضية أو همّ دين أو مستضعف في خطر، تحارب الأرق لأنها كانت تشاهد مسلسل إنجليزي! لا أجد ما أحملكم عليه..

تجلس أمام طبيبتها النفسية وهي تكتب لها الواجبات التي عليها القيام بها. منها تدريب الأربع خطوات.
"أنا محتاجة وعايزة ومن حقي وقررت، أطلق الإحساس بالذنب طلقة بائنة لا رجعة فيها، علشان.." جعلتها ترص الأسباب التي لا يجب أن تشعر بالذنب لأجلها، وترددها على مسمعها صباح مساء.
لكن مع كل مرة تتفوه بها، يطاردها دماء الشهداء، بينما كان هناك صوت في عقلها يصرخ من كائنات متوحشة، اهتز الميدان وأركانه بصرخات صديقتها على دماء والدها، وهي تغفو، في عالم ثاني.

فلا هي أرضت شعورها بالعجز بتواجدها بجانبهم (كالشاب 
الفلسطيني)، ولا ببقائها بعيدًا أعدت لخير على المدى البعيد (كصلح الحديبية). كانت نائمة صباحًا. لأنها ليلًا كانت تشاهد مسلسل. ربما لو كانت نائمة لأنها متعبة لكان العذر أقل فداحة.

أو ربما لله حكمة لا تعلمها، لو كشف الله غطاء قدره ربما لسامحت نفسها قليلًا، لكن في النهاية هي من اختارت مشاهدة المسلسل بإرادتها، فليس من حقها لوم القدر..

1 comment:

Mohamed Nabil said...

اول مقالة ليكي في 2017 .. المقالة جميلة جدا بس مليانة لوم وعتاب على حاجة مش فادينا .. عايز اقول ان كلنا مقصرين وموقفنا ضعيف لكن ليس باليد حيلة .. اكيد هيجي اليوم الي هتقدري تعملي فيه حاجة .. اعدي نفسك لليوم لكن قبلها شوفي انتي هتقدري تعملي ايه تفيدي بيه الاسلام والمسلمين