Pages

Sunday, June 16, 2019

هل الحماسة سذاجة؟



هل الحماسة، سذاجة؟

طرحت عليها هذا السؤال بعشوائية شديدة حين جلسنا ذات مساء في مطعمٍ ملكُ طباخٍ له أربع زوجات تُدِرن الأعمال كاملة وأولادهن دون مساعدات خارجية، لابد أنها أعتادت على أسئلتي منزوعة السياق التي لا أهدأ في ترديدها حتى أحصل على إجابة شافية مرضية، ثم لا أنساها مطلقًا بعد ذلك، عملية البحث تأخذ من روحي، وعزائي الوحيد في أجزائها التي تضيع في التنقيب عن المعاني من كل تجربة هو أني لن أنسى، وذلك يكفي على ما أظن، لأني سأشيخ يومًا ما وأحكي ما تعلمت لأحفادي ولن يعيروا حِكَمي الاهتمام نفسه إلا حين يصلون للمعاني بأنفسهم ويقولون "تيتا رحمة قالت!"، لكنها في النهاية حياة واحدة، بضاعتنا فيها الإيمان، ولكل تجاربه، والمسافر لا يعتبر ما ينفق في رحلته خسارة، طالما كانت وجهته صحيحة، وزاده متجدد.

سمعت الشيخ يقول اليوم أن التجارب تُري الإنسان من الدنيا بعدًا آخر، فيفقد الحماس تدريجيًا لأنه فهم، خيبات الأمل حتمية، الفشل لابد منه، فقدان الأحبة قانون، وكذا الاغتراب والحزن والوحدة والكبد. فرحت قليلًا؟ غدًا تحزن. اتسع قلبك للحب وعشته؟ سيكسر قلبك. خسرت مالًا؟ يرزقك الله غيره. لا شيء يدوم، والحماس يبدو ساذجًا جدًا في هذا الحال.

الحماس كحالة شعورية يكون شرارة مؤقتة نابعة من أمل بأنها هذه المرة ستصيب، هذه المرة سأكون سعيدًا حقًا، هذه الفكرة ستحل مشاكل الشباب جميعهم، هذا المشروع سيملأ شغفي ويضيف شيئًا للبشرية، هذا الرجل مختلف، هذا الحب صادق، حظي في صفي الليلة.. إلخ، لكن كل هذا زيف زيف زيف، لا شيء يدوم، لا شيء كامل، هي حقائق كونية لا تتبدل، تريث في شعورك ولا تتحمس، الحماس ساذج جدًا.

هذا ليس تشاؤمًا، ولكن واقعية، أو لا، دعني لا أستخدم تلك الألفاظ المصنفة الحاكمة، هو فقط فهم لحقيقة الدنيا، دوام الحال من المحال، أحبب حبيبك هونًا ما عسى أن يكون بغيضك يومًا ما، لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم..

استمع للعجائز حتى لا يكتب عليك العَجَز وأنت في ريعان شبابك، فلا يفهمك الشباب وأنت منهم.. طالما أنك طلبت الوصول بصدق، الفهم حمل ومقصد وأداة، والحكمة ضالة المؤمن

أما عني، صرت عجوزًا لا يفهم الشباب ولا يفهمونه، أحلام عقله أكبر من مقدرته، والحياة تفقد معناها مع الوقت فأتمنى كذلك أن يكون الوقت الباقي قليل، وأن أعيش حياة عريضة عريضة، أتعلم فلا أجوع، أبُصر فلا أملّ، أتأمل فلا أشعر بوحشة قط.

Rahma Fateen

No comments: