Pages

Monday, May 25, 2015

نور

ربّتت على ظهري، جلست بجانبي ومسحت دمعي تحاول تهوين فراق الأصدقاء الشهداء علىّ. لكن عيناي لا تكفّان عن السكوب، أتعثر في استنشاق الهواء.. ويهتز جسدي اهتزازاً عنيفاً..
أنزلت ذراعها من حولي وكأنها قد يئست من تهدئتي، لكني وجدتها تتحدث، وبمحاولة جاهدة حبستُ شهقاتي لأستمع إلى ما تقوله.

قالت لي: "أوتدرين، طوال هذه المدة وأنا أظن أن الأمر سهل، كخبراء التنمية البشرية الهشّة، الذين يقولون أنه ليس عليك سوى تكرار اللفظ في رأسك حتى تقتنع به، وإن اقتنعت به اقتناعاً كاملاً سيتحقق.
لكني لم أجد الأمر كذلك، دائماً ما أصيح بالجملة في رأسي حتى أحدثت ثُقباً.. ولا زال الركب يسير بدوني...."

نظرتُ إليها وقد زاد اهتمامي، وجفت مآقيلي تماماً. لمحت دمعة تنحدر من عينها اليمنى، وأكملت حديثها قائلةً:
"أتدرين لماذا يا صديقتي؟ لأني في كل مرة صِحت بالجملة في رأسي، ورغم علو تفكيري وصخوبه، إلا أنه كان دائماً مصحوباً بالتفكير في عكسه. وكأني ألغي أثره وأُبطل نجاحه."
ثم نظرت إلى وابتسمت:

"كلما فكرت في الشهادة، فكرت في رد فعل أصدقائي حين أرحل، فكرت في طول جنازتي وعمق قبري، فكرت في مديح الناس، وبكاؤهم على دون أن يعرفوني.
أفهمتي الآن ما أقصد؟ الصدق الذي أوصلني لأن أصيح بالأمنية مراراً، أُبطله بكل بساطة بتعلقي بالدنيا. أبيع لله حياة ممتدةً جذورها وأنا متمسكةً بالحياة أيما الإمساك.
هل تعتقدين أن الله سيتقبلها؟ تلك الروح التي مازالت في صراع، التي لم تقرر بعد في أي بُعد تريد البقاء؟"

-
نظرت بجانبي فلم أجدها جالسة، وجدتها تسير راحلة يمتصها نور غريب لم أجد له تفسيراً، وكأني أحلم.

بعدها بأسبوع، جاءتني رسالة تقول أن تلك الفتاة قد صعدت لبارئها بعد أن قُتلت ظلماً، شهيدة في سبيل الله..
ً

No comments: