Pages

Thursday, June 25, 2015

من بعد ما قنطوا

عندما تصل ذُروة يأسك، تسمع آيات الكافرين فتأخد الكلام على مُحيّاك لأنه لا ييأَسُ من رَوح اللهِ إلا القومُ الكافرون. تقطع كل صِلة تصِلُك بما فيه خير، وتقف حيران وتائه لا تدري أين تذهب ومن أين أتيت، كأنك آدمٌ آخر خلقه الله من عَدَم في العَدَم. تعرف الطريق لكنك لم تعُد تثق أن قدماك تستطيعان السير بك وحمل همومك وما يدور في رأسك من باطلٍ وبهتان.
تقف وترفع رأسك للسماء، للشيء الوحيد المُضيء حولك، القمر. تنظر إليه وتتأمل جماله، بدأت باستشعار شيء جميل في الكون، كالزهرة التي تنبت في أرضٍ قحط، وترفع يديك.
(وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ۖ)
ضلّت كل الأسباب الدنياوية، ضل ذلك الصديق الذي انتظرت نُصرته، ضل ذلك الحاكم الذي توسّلت في جنابه، ضلّت وسائل التنيمة البشرية لجعلك تتفاءل، ضلت زياراتك للمقابر وملاحقتك الأطياف، ضل حبل المنشقة الذي ظننته مخرجاً لما أنت فيه.
ضل كل شيء. إلا الله.
في تأمل لقصة الثلاثة الذين خُلِّفوا، حينما انقطعت كل الأسباب، حتى اعتزلتهم زوجاتهم. ضاقت عليهم الأرض بوسعها وبما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم، كيف يهربون من أنفسهم؟ من عتاب ضمائرهم وندمهم؟ إلى أين؟!
ظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه - تحول أقصى اليأس لأقصى ليقين. في لحظة. لحظة عودة، لحظة تفكير في رحمة الله، هو وحده من سيتقبلهم بذنوبهم. ثم تاب عليهم ليتوبوا.
رغم أنه هو سبحانه من عاقبهم لتخلفهم، فما بالك إن لم يكن ما أنت فيه عقاب؟ ابتلاء أو علامة حب، أو ربما مجرد مدّ ليديّه سبحانه إليك لتعود.
(وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ)
ثم ماذا؟ بعدما يمتلأ قلبك يقيناً وثقة في الله عزّ وجل، لا ترى سواه حلاً، مقتنع بهذا ومستسلم له أيّما استسلام، ينزل رحماته عليك غيثاً، يحوطك بفضله.
(وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ)
في إشارة إلى أنه لن يتركك، حتى بعدما يمنّ عليك، سيتولاك حتى النهاية، وسترى حكمته فيما مررت به، لتذوق العواقب الحميدة.

No comments: