Pages

Wednesday, February 27, 2019

هونًا يا حزن

قالوا للحزن آداب، فهل يأدبنا الحزن أم نتأدب له؟
وصفوا لها الصبر، فعرفته واحتفظت بوصفه لنفسها، وقدر لنا أن نعيشه، ولا نعرفه. 
الحزن لا ينفك عنا، لكنا راضون، وهذا ليس ضدًا لذاك.
..
كل الصور موناليزا، إن كنت محبًا!
وعيناك تنظر إلي وكأنها تستنجد، أو تقول اطمئن، فأحزن على حالي، ليه حد بالطيبة دي يعملوا فيه كده؟
..
طاوعته هذه المرة بعد أن تماسكت لوقت طويل، الحزن يفرض نفسه أتعرف، إن قاومته صرعك، وإن لم تقاومه التفّت عليك الأحزان كأنه لا يوجد في الدنيا سواك. بالأمس قلت لم أعد أريد العيش، ودار حوار بين ضميري اليقظ ونفسي المتعبة، أبعد كل هذا؟ أمستعد للقاء الموت حقًّا؟ أترضى بالدون من المكانة، فقط لأنك لم تعد قادر على الصبر مدة أطول؟ وماذا عن كل ما تؤمن به، أتزهد فيه وتنساه في لحظة؟ نمت النهار والليل كله، هربًا من نفسي، هربًا من تعبي، هربًا من الدنيا، ومنه.

في اليوم التالي ذهبت في غمرة انكساري لبيت الله، قلت علني أخرج همي وأضعه بين يدي الرحمن الرحيم، فأخرج منشرحة الصدر. صليت الظهر مع الإمام، ثم نودي لصلاة الجنازة، قلت رزق خير، ولم يكن المسجد مكتظًا بالمصلين، فقط بعض من العائلة والأصدقاء يرتدون الأسود وينتحبون. سألتني من كانت تجلس إلى جواري عن كيفية أداء الصلاة، شرحت لها ولأخرى أكثر من مرة، فأنا خبيرة في صلوات الجنائز، أحب الصلوات إلى قلبي وأقربها إلى نفسي، وأكثرها ترددًا بحكم ما نعيش فيه. سألتني "الميت رجل أم امرأة؟" قلت لا أدري، فقال الإمام "سنصلي على سبعة أموات.." سبعة أموات!!

بكيت كأن المصاب مصابي والفقيد فقيدي، أنا كنت (بتلكك) بصراحة، لكن لا ضير، تركت الجمع يرحلون ووقفت أشاهد النعش تلو الآخر محمل على الأكتاف، وقفت أعد، واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، خمسة، ستة، سبعة.. قلبي ينقبض. 
الرجال واقفون في استعداد لحمل النعش الآخر بعد ما خرج الأول، تذكرت بلال جابر، والسنوسي، وأحمد عمار، وحبيبة، شباب صغير، ماتوا، قتلوا، انتهت حياتهم دون إرادتهم، أكانوا مستعدين؟ كيف أطلب الموت بكل ثقة وأنا أعلم أني لست مستعدة للقاءه؟ كيف أستعد أصلًا؟ هل سيأتي اللحظة التي أقول فيها أني أديت حقي؟ لا أظن، ولذلك رضيت، وملت إلى شوقي للقاءه فنسيت خوفي منه. 
أصدقاء الشباب، ماذا كان شعورهم وهم يحملون جسدًا كان قبل قليل مليئًا بالحياة والحب والضحك؟ فجأة أصبح جسدًا بلا روح، ساكن خفيف الوزن، الى أين يحملونه؟ سيتركونه في القبر ويرحلون؟ ويطون عليه التراب ويعود كل إلى عمله؟ وحسب؟ 

سبعة جنائز مرة واحدة في يوم يائس تقول لي أنه لم يعد هناك وقت، القطار أسرع من أن تتأمل لوحات النوافذ وتجمّل حزنك، الركب يسير، بك أو بدونك، فافهم!
أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله.
قلتها بكل كياني، غير مدركة -أو متغافلة عن عمد- ما يترتب على تلك الكلمة من أحمال ومشاق، تعلمت ألا أختار، اخترت عقيدتي، ماذا سأفعل بعد ذلك؟ أنا أكثر عجزًا من أن أقرر ذلك لنفسي، وأكثر ضعفًا، والحقيقة أني تعبت، وأريد أبي، وهدنة لبعض الوقت، وحسب!






Rahma Fateen

No comments: