Pages

Thursday, February 28, 2019

عن الغضب

زمان أنا كنت شخص عصبي جدًا، زمان يعني من حركة ٨-٩ سنين مثلًا، لما "بتعصب، بتعصب" زي ما كنت دايمًا بقول في المدرسة، غضبي كان سيء جدًا
عمومًا في حياتي لما بتحول بشكل جذري مش بقدر أحط إيدي على موقف معين أو حاجة هي اللي سببت في التغيير ده، بس اللي يعرفني دلوقتي ممكن ميصدقش إني كنت كده في يوم من الأيام. بقيت شخص هادي وعندي ثبات انفعالي رهيب ولما بتحصل إني بزعق في إخواتي مثلًا بعد ما صبري بينفذ بقعد يوم زوري واجعني من كتر ما هو مش متعود على صوت عالي وحبالي الصوتية اتجرحت.

من مواقفي القليلة مع أسماء صقر -الله يرحمها ويتقبلها- كانت مرة بتدينا درس وبتتكلم فيه عن الغضب، كنا قاعدين في دايرة في وسط مسجد، وكنت لسة متخلصة من عيب العصبية وكنت حابة أشارك تجربتي، ساعتها أنا فاكرة إنها مدتنيش فرصة ومخلتنيش أكمل علشان مقطعش الدرس بشكل ضايقني جدًا لأني كنت بعزها فوق الوصف وشعرت باستسخاف (أفضالها علي أكتر من إني مسامحهاش :')) بس هي كانت بتقول إنه ده عيب صعب نتخلص منه، وكنت عايزة أقول إنه لأ سهل بعون الله الواحد ممكن يتغير ١٨٠ درجة.
-
مؤخرًا ناس كتير جدًا دخلت حياتي، بأنماط مختلفة ومتباينة وفريدة فعلًا من نوعها، لمست صفة العصبية والغضب دي وتجلياتها بأشكال مختلفة، بعضها حميد والبعض الأكثر خبيث ومؤذي ومؤلم، تعجبت من وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثًا أن لا تغضب لا تغضب لا تغضب.
الفترة الأخيرة كنت ببحث في السيرة ومواقف الصحابة عن لفظ متداول جدًا اسمه "الكرامة"، للعجب، ملقتش غضب للكرامة مستحسن أبدًا!

فرجعت أتساءل عن معنى الكلمة أصلًا، أول مرة سمعتها كنت في إعدادي تقريبًا وصاحبتي كانت بتقولي متكلميش الولد ده علشان كرامتك، مكنتش فاهمة والسبب مكنش مقنع بالنسبالي وقتها فكلمته، ومازلت لحد اللحظة مش فاهمة. 
لو تأملنا بصدق في معنى الكلمة هنلاقي إنها مش حاجة غير "انتصار للنفس"، نفس مستعلية حاططها في مكانة معينة مش متخيل إن حد ممكن يفكر يفسر تصرف ليك مثلًا إنه مخلّ بالمكانة دي، فبتبدأ تحط فلتر تاني بعد الحرام والعيب وهو الكرامة.

فيه موقف مشهور لسيدنا علي بن أبي طالب لما كان سيفه على رقبة أحد المشركين على وشك قتله فلما بصق على وجهه الكريم شال إيده علشان ميبقاش قتله نصرة لنفسه، وكرامته؟؟ 

العرب معروفين بعزة نفسهم الشديدة و"كرامتهم" وشرفهم لدرجة إنهم ممكن يقوّموا حروب كاملة لو اتخدشت بس من بعيد، ولا عجب إن الإسلام لما جيه في مكة كان بيروّض المسلمين إنهم يكسروا نفوسهم المتعالية دي ويتعلموا يطهروا غضبهم فيكون بس لله وللدين! قد ايه في مكة المسلمين اتعرضوا لمذلة وتعذيب وتنكيل بالنساء وو ولما كان صحابي بيغضب ويروح للنبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في القتال يقوله "ليس بعد"، والرسول أغضب الناس على حرماته، لكن لازم يتربوا الأول على كسر النفس دي، الغضب لله وبس.
-
من الآيات اللي استوقفتني جدًا في المسألة دي الآية اللي بتقول
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ 
[المائدة 54]

قوم يحبهم ويحبونه، شكلهم عامل ازاي دول يا رب؟
*أذلة* على المؤمنين أعزة على الكافرين
يجاهدون في سبيل *الله*
ولا يخافون لومة لائم
=ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء
والله واسع عليم
-
أذلة على المؤمنين ازاي طيب؟
الكلمة قوية جدًا، أذلة! 
يعني مفيش حاجة اسمها كرامة
الأصل إن المؤمنين أولياء بعض، همهم صلاح بعض وبيتمنوا لبعض الخير دايمًا، فمينفعش حاجة تقف قصاد ده، ولو كانت نفسي!

بتخيل ده في المواقف الحياتية، لما حد يغلط فينا ويندم ويعتذر، نكسر نفوسنا ونقبل الاعتذار ونسامح، مغلطش في حق ربنا لا سمح الله، وانت مين يعني؟ أذلة على المؤمنين.
لما نغلط في حد غلط شنيع (وكل الناس بتغلط)، بيبقى صعب أحيانًا على نفوسنا إنها تتقبل إنها تعترف بالغلط ده ويبقى قدام الناس (ولو شخص واحد) إنه عمل الغلط ده، احنا مش ملائكة ولا رسل. أذلة على المؤمنين..
ولما تجاهد، في سبيل الله فقط لا غير، مش علشان اتأذيت ولا علشان اتهانت ولا علشان عايز يتقال عليك شهيد.
-
الغضب كطاقة عظيم جدًا وقادر على تحريك البشر بشكل مش طبيعي، لكن خسارة لو الغضب مش متوجه صح، تبقى بتظلم نفسك، وبتظلم الناس.
كمشاعر وأهواء؛ من أكتر الحاجات اللي بحبها في ديننا انه بيقرّ بحقيقة النفس البشرية ومش بيطلب حاجات من كوكب تاني، مش هننكر وجود الغضب كشعور، بس لازم نتعلم نروّضه ونأدبه

"لا يُؤْمِن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به"
ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء
يارب فهمنا وأدبنا






Rahma Fateen

No comments: