Pages

Saturday, March 23, 2013

اهداء الى ذو الشعر الحريري ~

باسم الله نبدأ، كما كنت أبدأ يومي برؤية "يقيني بالله يقيني" و عبارات أخرى شعبية مثل "العين صابتني ورب العرش نجاني" و" ان خلص الفول أنا مش مسئول" التي كانت تزين العربة الخضراء
كان جدي يقول لنا هذه العبارة على الفطور في الصيف. كان الفول الذي يعده جدي شهيا جدا، و رشة الليمون التي كان يضيفها بمقدار معين كانت تعطي لفوله مذاقا مميزا. كنت انتظر فطور اليوم التالي لآكله مجددا، مع انه كان يعده مبكرا جدا، حتى أنني كنت اضطر للاستيقاظ على رائحته حتى لا يؤكل قبل أن آخذ منه نصيبي. وان لم أستيقظ، فقد كان جدي يوقظنا بصوته الذي فاق كل المنبهات الحديثة وأحيانا كان أعلى من صوت موتور الماء نفسه. 
كنت أستيقظ منزعجة، لكن ضاحكة. لا تسألني كيف، لكن صوت جدي مع رائحة الفول كانت ترسم بسمة على وجهي.

هذه العربة الخضراء المزينة بأحكم الأمثلة الشعبية التي لن تجدها حتى على "جوجل" (لأنها معظم الأحيان تكون من تأليف صاحب العربة، و كما أن شعب مصر كله مفتيين جمهورية، فهم أيضا حكماء)
كنت أمر بهذه العربة الخضراء صباح كل يوم في طريقي للمدرسة، اعتدت وجوده، ابتسم حين أرى وجه الرجل ذو الشعر الأسود الحريري وبدلته المتواضعة البيضاء التي يرتديها الفلاحون المصريون مبتسما.
بقيت تلك العربة في مكانها لمدة عاميين كاملين، لكنني لم آكل منه مرة واحدة، أكره نفسي لذلك. لن أستطيع أن أوصف لكم طعم الفول الذي يحضره من داخل هذه الطاولة بالعربة بمعلقته السبعة أمتار، أنا حقا لا أدري ان كان يعد الفول داخل تلك الحفرة، أم أنه بعده ثم يسقطه داخلها ليحتفظ بحرارتها و يبهر الناس بمعلقته الطويلة؟ لكنني أؤمن من صميم قلبي أن طعمها ممكن أن يصل الى روعة طعم فول جدي.

بدأنا في العام الثالث، في أول يوم مدرسة، وأنا أسير في نفس الطريق، لكنني لم أر العربة!! تأملت المكان جيدا، وظللت أنظر حولي أملا في أن أجد الرجل قادما من بعيد ليضع عربته، لكنني لم أره! كل يوم أمر من نفس المكان أبحث عنه لكنه لم يعود. لم آكل منه مرة لكنني تعلقت به. و ها هو قد رحل. لا أدري لم كنت أحبه، لكن نظرات صاحبه ومعالم وجهه كانت توحي باخلاصه في عمله. أنا أرى الكثير من عربات الفول، لكني تعلقت بهذه العربة بالذات.

أظن أنني أحببت المنظر. منظر وقوف رجل أعمال ببدلته الأنيقة الغالية و حذاءه الملمع و سيارته التي ركنها بجانب عربة الفول منتظرة حتى يحتسي فطوره. أنا متأكدة أن له زوجة -ان لم يكن طباخا- تعد له الطعام في البيت، لكنني أظن أن لهذه العربة معزة بقلبه مثلي.
  فكنت أرى ذلك الرجل كل يوم يأكل من العربة ويضحك مع صاحب العربة الطيب. كم كنت أريد ان أتحاور معهم وأتعرف على صاحب العربة وأشكره على اخلاصه. انه رجل يبحث عن رزقه برزق الناس، يا لها من مهنة رائعة!

  هذه طريقة غير مباشرة لأخبر أصدقائي أني أريد ان أكون صاحبة عربة فول عندما أكبر.~
Rahma Fateen

No comments: